هو من باب التشبيه والتمثيل والمعنى: إن الملوك من العرب وغيرهم يكون لكل منهم حمى يحميه عن الناس ويمنعهم من دخوله، فمن دخله منهم أوقع به العقوبة، ومن احتاط لنفسه لا يقارب ذلك الحمى خوفًا من الوقوع في عقوبته، فكذلك لله تعالى حمى وهي محارمه التي حرمها كالقتل والزنا والسرقة والقذف والخمر والكذب والغيبة والنميمة وأكل المال بالباطل وأشباه ذلك من المعاصي، فكل هذا حمى لله تعالى من دخله باعتقاد حله أو غيره استحق العقوبة، ومن قاربه أوشك أن يقع فيه، ومن احتاط لنفسه بعدم المقاربة لشيء من ذلك لم يدخل في شيء من الشبهات، ويسمى هذا العدم عدم الاستدراج، والنفس بطبعها أمارة بالسوء إلَّا من رحمت فيستدرج من المباح إلى المكروه ثم إلى المحرم، فنسأل الله التوفيق والإِعانة على كسرها.
و"الحمى" بمعنى المحمى فالمصدر فيه واقع موقع اسم المفعول وتثنية "حميان"، وسمع الكسائي بتثنيته بالواو، وتطلق المحارم على المنهيات قصدًا، وعلى ترك المأمورات [استلزامًا] (?) وإطلاقها على الأول أشهر، كما قاله الشيخ تقي الدين (?).
و"المضغة" القطعة من اللحم سميت بذلك لأنها تمضغ في الفم لصغرها، والمراد: تصغير جرم القلب بالنسبة إلى باقي الجسد [مع أن صلاح الجسد] (?) وفساده تابعان للقلب كالملك مع الرعية، فهو صغير الجرم عظيم القدر.