أبو عمرو الداني، في الكتاب السالف المشار إليه: الحديث الذي يتداوله أهل المدينة يشهد بسماعه من رسول الله - صلي الله عليه وسلم - وهو قضية ما نحله أبوه فوعاها وحفظها فدل على سماعه، وقد صرح في هذا الحديث بالسماع، وقيل: إنه كان سمع هذا الحديث وله سبع سنين. قال: ويقال المثل المضروب فيه هو من قول الشعبي.

ثالثها: في ضبط ألفاظه ومعانيه قوله: "إن الحلال بين" معناه أنه بَيِّنٌ في عينه، ووصفه واضحٌ لا يخفى حله كالمأكولات من الفواكه والحبوب والزيت والعسل والسمن واللبن من مأكول اللحم وبيضه وغير ذلك من المطعومات، وكالنظر والمشي والكلام وغير ذلك من التصرفات الحلال التي لا شك فيها، وكالاكتساب بالعقود الصحيحة الواضحة شرعًا وبالتبرعات المأذون فيها شرعًا ونحو ذلك من البين الواضح الذي لا شك في حله.

وقوله: "والحرام بين" معناه أنه بين في عينه ووصفه أيضًا، واضح كالخمر والميتة والخنزير والبول والدم المسفوح. وكذلك الزنا والكذب والغيبة والنميمة والنظر إلى الأجنبية وأشباه ذلك البين الواضح الذي لا شك في حرمته.

وقوله: "وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس" معناه أنها ليست بواضحة الحل ولا الحرمة. فلهذا لا يعرفها كثير من الناس، وأما العلماء فيفرقون حكمها بنص أو قياس أو استصحاب ونحو ذلك، فإذا تردد الشيء بين الحل والحرمة ولم يكن فيه نص ولا إجماع، اجتهد فيه المجتهد فألحقه بأحدهما بالدليل الشرعي، فإذا ألحقه به صار حلالًا، وقد يكون دليله غير خال عن الاحتمال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015