اسم المبادرة عليه صورة، ويحتمل أيضًا أن تكون المبادرة من حيث أنه لم يطلب منه ذلك مع أن علمه تعالى سابق بوقوع ذلك منه وهو راجع إليه أيضًا. وعبارة القاضي أبي بكر في الجواب: إن قدر الله في خلقه مطلق ومقيد بصفة، فالمطلق يمضي على الوجه المراد بلا صارت، والمقيد بصفة له وجهان:
فوجود الصفة يقتضي أحدهما وعدمه يقتضي الآخر. مثاله عمر دائرٌ بين عشرين سنة إن قتل نفسه وبين ثلاثين إن لم يقتلها، والله تعالى عالم بما يؤول إليه الأمر ولا يقع إلا ما علمه، والتردُّد إنما هو في حق العبد. والأجلان كالواجب المخير الواقع منه معلوم عند الله، والعبد مخيَّر في أي الخصال يكفر بها، فالذي يكفر به معلوم عند الله قبل التكفير مبهم عند العبد، وكذلك الأجلان، فالعبد يختار أحدهما وما يختاره معلوم عند الله، ولا يقع غيره. ويؤيد ذلك قوله: "بادرني بنفسه"، أي اختار الأجل المقيد، ولم يقل: "بادرته بنفسه".
والإِشكال الثاني: قوله: "فحرمت عليه الجنة" قد يتعلق به من يرى وعيد الأبد وأهل السنّة يجيبون عنه بأوجه:
أحدها: أنه يحتمل أن يكون مشركًا قد ضم إلى تركه هذا الفعل.
ثانيها: لعله فعله مستحلًا له، فتحريم الجنة عليه بسبب كفره لا بقتله نفسه.
ثالثها: أن المراد بالجنة المرتفعة القدر من بين الجنان.
رابعها: أن لا يدخلها أول الداخلين ويطال احتباسه أو يحبس في الأعراف.