وقال الماوردي (?): والخلاف في إجزاء الأقط إنما هو في أهل البادية، وأما الحاضرة فلا يجزيهم قولاً واحداً. ذكره في باب كفارة الظهار، ورد عليه النووي في "شرح المهذب" (?).

فقال: الصحيح الذي قطع به الجمهور أنه لا فرق بين الحاضرة والبادية، وحديث أبي سعيد يعني هذا صريح في إبطاله، وإن كان قد تأوله على أنه كان من أهل البادية، وهو تأويل باطل.

الثامن: قول معاوية: "أرى مدّاً من هذا يعدل مدين"، قاله على المنبر، كما أخرجه مسلم وهو الذي اعتمده أبو حنيفة، ومن وافقه في جواز نصف صاع حنطة، وقدموه على خبر الواحد، وخالفه الجمهور في ذلك كما قدمته في الحديث قبله.

والجمهور يجيبون عنه بأنه: قول صحابي قد خالفه أبو سعيد، وغيره ممن هو أطول صحبة منه، وأعلم بأحوال الشارع، وإذا اختلفت الصحابة لم يكن بعضهم أولى من بعض، فيرجع إلى دليل آخر، وظاهر الأحاديث والقياس متفقة على اشتراط الصاع من الحنطة كغيرها، فوجب اعتماده، وقد صرح معاوية بأنه رأي رآه، لا أنه سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان عند أحد من حاضرى مجلسه مع كثرتهم تلك اللحظة علم في موافقة معاوية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لذكره كما جرى في غير هذه القصة. وما أسلفناه من خلاف أبي سعيد لمعاوية هو الظاهر، وإن كان يحتمل أن يكون أخبر أنه لا ينقص شيئاً مما كان يخرجه، وأنه فعل ذلك تورعاً واحتياطاً لكن فيه بعد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015