المجلس إن تمكَّن من مفارقته، فإن قدر على الإنكار بلسانه، أو على قطع الغيبة بكلام آخر، لزمه ذلك، فإن لم يفعل عصى، فإن قال بلسانه: " اسكت "، وهو يشتهي بقلبه استمراره، فقال أبو حامد الغزالي: " ذلك نفاق لا يخرجه عن الإثم، ولابد من كراهته بقلبه " (?).
ومتى اضطر إلى المقام في ذلك المجلس الذي فيه الغيبة، وعجز عن الإنكار، أو أنكر فلم يُقبل منه، ولم يمكنه المفارقة بطريق حرم عليه الاستماع والإصغاء للغيبة، بل طريقه أن يذكر الله تعالى بلسانه وقلبه، أو بقلبه، أو يفكر في أمرآخر ليشتغل عن استماعها، ولا يضره بعد ذلك السماع من غير استماع وإصغاء في هذه الحالة المذكورة، فإن تمكَّن بعد ذلك من المفارقة وهم مستمرون فيِ الغيبة ونحوها، وجب عليه المفارقة، قال الله تعالى: (وَإِذَا رأَيْتَ الَّذينَ {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68)} [الأنعام: 68] (?) اهـ.
روى ابن أبي الدنيا عن عمرو بن عتبة بن أبي سفيان أنه قال لمولى له: " نَزِّه سمعك عن استماع الخنا، كما تنزه لسانك عن القول به، فإن المستمع شريكُ القائل ".
وسمعَكَ صُنْ عن سماع القبيح ... كصون اللسان عن النطق به
فإنك عند سماع القبيح ... شريكٌ لقائله فانتبه
* * *