الفصل الأول
حرمة العلماء بين أخلاق السلف, وواقع الخلف
العلم أثمن دُرَّة في تاج الشرع المطهر، ولا يصل إليه إلا المتحلِّي بآدابه، المتخلي عن آفاته، وقد طالعنا فيما سلف أحوال السلف الصالح الذين تأدبوا بآداب الشرع الشريف، فإذا أطللنا إطلالة على واقع بعض طلبة العلم في زماننا، تمثلنا قول الإمام ابن المبارك رحمه الله:
لا تعرِضَنَّ بذكرهم مع ذكرنا ... ليس الصحيحُ إذا مشى كالمُقْعَدِ
إذ نرى أناسًا انسلخوا من أخلاق السلف كما تنسلخ الحية من جحرها، لا يُراعون لشيخٍ حرمة، ولا يوجبون لطالبٍ ذمة، يتوجع أحد الدعاة من أمثال هؤلاء فيصفهم بأنهم:
(أناس فضوليون؛ يكثر لغطهم، ويقل عملهم، وتنصبغ مجالسهم بصبغة الغيبة وخشونة الألفاظ، حتى تكون تهورات اللسان أمرًا مستساغًا، وتُغتال فضائل المجالس الإيمانية اغتيالاً، ويصبح الداعية المشارك فيها قليل الاحترام لعناصر الرعيل الأول، كثير الجرأة عليها .....
وليس ذلك عرف المؤمنين أبدًا، ولا سَمتهم الذي ورثناه، إنما ورثنا الحياء، وعفاف اللسان، واحترام الكبير، وتبجيل السابق، والتأول الحسن، وترجيح العذر، وجمال اللفظ، والاستغفار للذين سبقونا بالإيمان، وتكرار الدعاء