وجعلنا إلى ما كنا فيه من شأن إبليس فلما أمر بالسجود تكبر فلُعن، وقيل له اخرج منها فأنك رجيم وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين، فأبلس وصار شيطانا رجيم أبلس من كل خير، وسلب لباس الرحمة وصار عريان آيسا من رحمة الله وفاسقا اجترا على الله، إذ قال له: خلقت خلقا أدنى مني وفضلته علي وهو ممن يعصيك ويفسد في الأرض ويسفك الدماء وأشقيتني في جنبه وهو لم يطعك طرفة عين وأنا قد عبدتك عبادة لا يصف الواصفون صفتها فما كان سبب ذلك؟ قال الله: (إني أعلم ما لا تعلمون) ، قال: إذاً سلطني عليه! قال: وما تصنع، قال: أجعله عابدا لي؛ قال: هو لن يطيعك في ذلك، قال: إذاً سلطني عليه، قال: لك ذلك، قال: وهل يمكنني ذلك إلاّ بأجل والعمر الطويل، قال: ما تشاء، قال: (ربِّ فانظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم) ، قال: فبعزتك لأغوينه وولده أجمعين، قال: وكان آدم عليه السلام رجلا حيياً كريما لا يعرف الشر في الجنة مع زوجته يأكل منها رغدا حيث شاء فاحتال عدو الله بكل حيلة للعداوة التي كانت فيه والحقد على ما شقى في جنبه وطرد من الملكوت وغره بكل غرور حتى دخل الجنة كما هو في الحديث الطويل والقصة الطويلة ثم لما دخلها تقدم إلى أهلها بالنصح والعطف، فقال داركما هذه إن لم يكن لها خوف وموت، قالا ما هو؟ قال: هل نهاكما ربكما عن شيء؟ قال: نعم عن هذه، قال: أف وأخذ بجبينه منحازا مريئا لهما أنه يحزن لهما، قالا: ما لك؟ قال: أنا من الملائكة الذين يعلمون الغيب! قالا: وما تعلم من شأننا؟ قال: (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلاّ أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) . ثم ألحق القسم بآخر الكلمة (إني لكما لمن الناصحين) فبما أعلمتكما من آخر شأنكما، قالا: وما الحيلة؟ قال: (هل أدلكما على شجرة الخلد وملك لا يبلى) فكلا من هذه فغرهما باسم ربهما، قال الله تعالى: (وقاسمهما أني لكما لمن الناصحين فدلاهما بغرور) الآية فأخرجهما من الجنة فلما هبطوا إلى الأرض قال اللعين معيرا من جرأة الكفر وحرقة الحقد ألم أقل لك أنه يعصيك ويطيعني ويعبدني فمن أطاع شيئاً عبده ومن عبده صار عبده فهو عبدي وفيه لي في أصل الخلقة دعوى إذ خلقته من التراب، والتراب في الأرض، والأرض أثر قدمي وموطني وممشاي وكان بها مسكني فخلقته في ملكي وملكي وموضع قدمي وقدم الواطئ حقه في الحكم وبه عصاك إذ كان أصابه شؤمي وجرأتي وبه ظفرت عليه، قال: فما تشاء، قال: سلطني عليه، قال: اذهب فقد سلطتك عليه فاطلب منه دعواك، قال: إذاً سلطني عليه فبعزتك لأغوينه وولده أجمعين، قال الله أن لي منه عباداً مخلصين ليس لك عليهم سلطان إلاّ من اتبعك من الغاوين، فقال إبليس اللعين (إلا عبادك منهم المخلصين) فاستثناء اللعين على استثناء الرب جل وعز.
فقال يا رب إذ سلطتني عليه وشفيت صدري منه بما نبذت إليّ مما سألت فزدني قوة إلى قوتي، قال: تجري منه مجرى الدم، قال: يهزمني بذكرك، قال: قد وضعت فيه النسيان والخطأ والغفلة، قال: ويغلبني بكثرة الولد، قال: لا يولد له ولد إلاّ ولد لك مثلاه، قال: يغلبني بالقوة التي فيه، قال: اجلب عليهم بخيلك ورجالك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم إن لا جنة ولا نار، فقال: شفيت صدري منه لآتينهم من بين أيديهم الدنيا فأزينها في أعينهم ومن خلفهم فأنسيها لهم وعن أيمانهم الذنوب فأزينها وآمرهم بها وعن شمائلهم بالتوبة فأدخرها.