فأما الظفر، فهو خندق الاستعاذة من قول الله عز وجل: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون) ، فوعد على الاستعاذة حيث قال: (ليس له سلطان على الذين آمنوا) ، سلب سلطان العدو، وسمي المستعيذ مؤمنا، وسمِّي المؤمن متوكلا حيث قال: (وعلى ربهم يتوكلون) ، ثم وصف سلطانه، فقال: (إنما سلطانه على الذين يتولونه) .
وأما الذكر: فإنه خندق الذكر من قول الله جل وعز: (فاذكروني أذكركم) ، فوعد على ذكرك له ذكره لك، ثم قال: (ولذكر الله أكبر) ، جلل ذكره وعظمه من أن تناله أحد كما هو له أهل، وقيل في الحكمة، ذكر العبد بين ذكر الربّ بذكره الربّ بالرحمة، فبذكره العبد من ذكره له بالثناء والحمد والعبودة، فبذكره الرب بالتوبة والشكر والمغفرة والقبول، فذكر الله حرز وثيق وحصن حصين.
وأما العون: وهو التوفيق فإنه خندق الاستعانة إذ أمر بذلك في أم الكتاب والسبع المثاني والقرآن العظيم، وشرط لعبده على نفسه أن نصفه له ونصفه لعبده وأن لعبده ما سأله فقال: قل، (إياك نعبد وإياك نستعين) ثم قال: (واستعينوا بالصبر والصلاة) ، فشهد لمن استعان به بالخشوع، واليقين بلقائه، والرجوع إليه عند البعث، فقال: (إنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون) ، ثم قال: (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) ، ثم شهد في الآية بالهداية لمن استعان به فقال: (أولئك هم المهتدون) .
وأما النصر: فإنه خندق الاستنصار من قوله جل وعز: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) فوعد النصر على حد الاستنصار حيث قال: (فقد جاءكم الفتح) ، ثم قال: (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) .
وأما الهداية: فإنه خندق الجهاد في قوله: (وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين) الآية فأمر بالجهاد حق الجهاد ثم بين لهم منزلتهم عنده وخصوصيتهم، فقال مبرزا لمنته عليهم طالبا لشكره منهم هو اجتباكم، فأنتم أهل جبايتي جبيتكم من بين خلقي، فأنتم عبادي المجتبون ثم برهم وألطفهم وأظهر لهم العذر وبين الحجج فإنه لم يحملهم إلا ما يطيقون، فقال: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) ، ثم نسب ملتهم إلى خليله إبراهيم يحرضهم عليها، فقال: (ملة أبيكم إبراهيم) ، وشهد لهم بالنبوة لإبراهيم عليه السلام، أي كأنه إذاً هم من نفسه، أي بكرامة الآباء ألحق بهم الأولاد وأحفظ لهم وأتعدهم، من ذلك قوله: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم) ، ومن قوله: (وكان أبوهما صالحا) ، أي فإني إنما حفظت كنزهم تحت ذلك الجدار وعينت خليلي الخضر لإقامته بسبب صلاح أبيها، ثم قال: (رحمة من ربك فإن رحمتي قريب من المحسنين) ، ثم قال: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) ، فوعد على الجهاد الهداية لسبله لا لسبيل واحد ثم شهد له بالإحسان ونصره بمعيته.
رجعنا إلى ما كنا فيه، فقال: (هو سماكم المسلمين) ، فشهد لهم بالإسلام ونسب تلك التسمية إلى خليله إبراهيم أي أنه أبوكم ومن أحق بتسمية الأولاد من الآباء بودّ خليله وملته إليهم، ثم قال: (وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس) ، حيث تجحد الأمم تبليغ رسل الله إليهم الكتب، وحجج الله، ثم ذكره في آخره: (واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير) ، حيث يتولى أموركم الكافر والمسلم وينصركم إذا استنصرتوه ويرضى اليسير ويشكر الكثير ويكرم المطيع ويرحم العاصي ويقبل التوبة والحسنة ويضاعفها، ويحط السيئة ويبدلها ويرفع الدرجة ويقبل العترة.
أما الحسبية: فإنه خندق التوكل في قوله تعالى: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) ، ومن قوله: (وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) ، فشهد على المؤمن بالتوكل.