قال الله تعالى: (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله) ، فالقلب مضغة خلقها الله من بطانة الأرض مما لم يمسه وطء إبليس ولا خطوته لأنه كان في سابق علمه أنه معدن معرفته ومن ذلك لا يجد الشيطان عليه سبيلاً، حيث قال: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) ، أي على قلوبهم، ومنه قيل القلب بيد الرحمن ومنه في الحديث أنه سأل ربه خصلة فقال ما هي يا إبليس، قال: السبيل على قلبه، قال: ذلك محرم عليك أن تدخله أو تسلط عليه، ولكن لك سبيل ومجرى من النفس في العروق إلى حد القلب وأصل العروق في النفس ورأسها في القلب، فإذا دخلت العروق وجريت فيها عرقت من ضيق المجرى فامتزج عرقك بماء الرحمة في مجرى واحد وجرى إلى القلب مع شؤمك ونفخك ونتنك وظلمتك ووصل إلى القلب سلطانك فغلبت صاحبه ومن أردت به ضراً أو اخترته وجعلته ولياً وصديقاً ونبياً، قلعت العروق من باطن القلب ونزعتها منه فصار القلب سليماً فإذا دخلت العروق وجريت فيها لم ينله شؤمك ولم يصل إليه سلطانك ولا ظلمتك إذ كانت أصل العروق منقطعة من باطن القلب وصار ما بين القلب وبين أصل العروق فرجة فرضي اللعين بذلك، وقد ذكر الله تعالى في كتابه فقال: (إلاّ من أتى الله بقلب سليم) ، القلب السليم الذي نزعت منه أصل العروق ثم ختم عليه، فالقلب وإن كان شريفا فإنه قد خلق مما خلقت منه النفس ولكن التفضيل مما بينهما أن النفس خلقت من أديم الأرض وظاهرها، والقلب من بطانة الأرض، والأرض خلقت من كدورة الماء وخبثه وزبده وأصلها من الماء فهي يابسة خشنة، والنور من اللطف فإذا تخلّى القلب من النور ومائه ورطوبته ولطافته، رجعت إلى جوهرها من الأرض يابسة خشنة فإذا دام بها ذلك قسا القلب أي يبس وصار إلى حالتها وجوهرها، ولما احتج إبليس بما احتج على آدم عليه السلام وفضل نفسه عليه نظر في نفسه واعتبر جوهره فقال: (خلقتني من نار وخلقته من طين) والنار من النور وخلقته من تراب، والتراب من الظلمة، ولم يلتفت اللعين إلى أن التراب من الطين والطين من الماء والماء حياة كل شيء، والماء يطفئ النار فلذلك احتج بما احتج.