{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَبَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّكُمْ} وإياكم عطف على الموصول، وتقدّم الموصول لأن وصيته هي السابقة على وصينا فهو تقدم بالزمان. ومثل هذا العطف أعني: عطف الضمير المنصوب المنفصل على الظاهر فصيح جاء في القرآن وفي كلام العرب، ولا يختص بالشعر، وقد وهم في ذلك بعض أصحابنا وشيوخنا فزعم أنه لا يجوز إلا في الشعر، لأنك تقدر على أن تأتي به متصلاً فتقول: آتيك وزيداً. ولا يجوز عنده: رأيت زيداً وإياك إلا في الشعر، وهذا وهم فاحش، بل من موجب انفصال الضمير كونه يكون معطوفاً فيجوز قام زيد وأنت، وخرج بكر وأنا، لا خلاف في جواز ذلك. فكذلك ضربت زيداً وإياك.
{إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِئَاخَرِينَ} قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون وعيداً لجميع بني آدم، ويكون الآخرون من غير نوعهم. كما أنه قد روي أنه كان في الأرض ملائكة يعبدون الله قبل بني ردم انتهى. وما جوّزه لا يجوز، لأنّ مدلول آخر في اللغة هو مدلول غير خاص بجنس ما تقدم، فلو قلت: جاء زيد وآخر معه، أو مررت بامرأة وأخرى معها، أو اشتريت فرساً وآخر، وسابقت بين حمار وآخر، لم يكن آخر ولا أخرى مؤنثه، ولا تثنيته ولا جمعه إلا من جنس ما يكون قبله. ولو قلت: اشتريت ثوباً وآخر، ويعني به: غير ثوب لم يجز، فعلى هذا تجويزهم أن يكون قوله: بآخرين من غير جنس ما تقدم وهم الناس ليس بصحيح، وهذا هو الفرق بين غير وبين آخر، لأنّ غيراً تقع على المغاير في جنس أو في صفة، فتقول: اشتريت ثوباً وغيره، فيحتمل أن يكون ثوباً، ويحتمل أن يكون غير ثوب وقلّ من يعرف هذا الفرق.