وهو تخريج ذهب إلى مثله بعض النحويين في قوله تعالى: {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار} وهو هدم للقاعدة المشهورة: بأن النكرة لا تنعت إلا بالنكرة، والمعرفة لا تنعت إلا بالمعرفة.
{وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ اللَّهِ} جواب الشرط ـــ قوله ـــ فقد وقع أجره على الله.
وقرأ النخعي وطلحة بن مصرّف: ثم يدركه برفع الكاف. قال ابن جني: هذا رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: ثم هو يدركه الموت، فعطف الجملة من المبتدأ والخبر على الفعل المجزوم، وفاعله وعلى هذا حمل يونس قول الأعشى:
إن تركبوا فركوب الخير عادتنا
أو تنزلون فإنا معشر نزل
المراد: أو أنتم تنزلون، وعليه قول الآخر:
إن تذنبوا ثم يأتيني نعيقكم
فما عليّ بذنب عندكم قوت
المعنى: ثم أنتم يأتيني نعيقكم. وهذا أوجه من أن يحمل على ألم يأتيك انتهى. وخرج على وجه آهر وهو: أن رفع الكاف منقول من الهاء، كأنه أراد أن يقف عليها، ثم نقل حركة الهاء إلى الكاف كقوله:
من عرى سلبي لم أضربه
يريد: لم أضربه، فنقل حركة الهاء إلى الباء المجزومة. وقرأ الحسن بن أبي الحسن، ونبيح، والجراح: ثم يدركه بنصب الكاف، وذلك على إضماران كقول الأعشى:
ويأوي إليها المستجير فيعصما
قال ابن جني: هذا ليس بالسهل، وإنما بابه الشعر لا القرآن وأنشد أبو زيد فيه:
سأترك منزلي لبني تميم
وألحق بالحجاز فأستريحا
والآية أقوى من هذا لتقديم الشرط قبل المعطوف انتهى وتقول: أجرى ثم مجرى الواو والفاء، فكما جاء نصب الفعل بإضمار أن بعدهما بين الشرط وجوابه، كذلك جاز في ثم إجراء لها مجراهما، وهذا مذهب الكوفيين، واستدلوا بهذه القراءة. وقال الشاعر في الفاء:
ومن لا يقدم رجله مطمئنة
فيثبتها في مستوى القاع يزلق
وقال آخر في الواو:
ومن يقترب منا ويخضع نوؤه
ولا يخشى ظلماً ما أقام ولا هضما