ومن أغرب ما سطروه في كتب التفسير ونقلوه عن قول الطبري: أنّ فاعل ذلك الفعل المحذوف هو قوله: {بعضكم من بعض} وفي الكلام تقديم وتأخير. والتقدير: وَمَنْ لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فلينكح بعضهم ن بعض الفتيات، وهذا قول ينزه حمل كتاب الله عليه، لأنه قول جمع الجهل بعلم النحو وعلم المعاني، وتفكيك نظم القرآن عن أسلوبه الفصيح، فلا ينبغي أن يسطر ولا يلتفت إليه. ومنكم: خطاب للناكحين، وفي: أيمانكم من فتياتكم خطاب للمالكين، وليس المعنى أن الرجل ينكح فتاة نفسه، وهذا التوسع في اللغة كثير.
{بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} هذه جملة من مبتدأ وخبر، وقد تقدم قول الطبري في أن ارتفاع بعضكم على الفاعلية بالفعل المحذوف.
{مُحْصَنَت غَيْرَ مُسَفِحَتٍ} وانتصاب محصنات على الحال، والظاهر أنّ العامل فيه: وآتوهن، ويجوز على هذا الوجه أن يكون معنى محصنات مزوجات أي: وآتوهن أجورهن في حال تزويجهن، لا في حال سفاح، ولا اتخاذ خدن. قيل: ويجوز أن يكون العامل في محصنات فانكحوهن محصنات أي: عفائف أو مسلمات، غير زوان.
{فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ} وقرأ حمزة والكسائي: أحصن مبنياً للفاعل، وباقي السبعة: مبنياً للمفعول إلا عاصماً، فاختلف عنه. ومن بناه للمفعول فهو ظاهر حدًّا في أنه أريد به التزوج، ويقوى حمله مبنياً للفاعل على هذا المعنى أي: أحصن أنفسهن بالتزويج. وجواب فإذا الشرط وجوابه وهو قوله: فإن أتين بفاحشة فعليهن، فالفاء في: أتين هي فاء الجواب، لا فاء العطف، ولذلك ترتب الثاني، وجوابه على وجود الأول، لأنّ الجواب مترتب على الشرط في الوجود، وهو نظير: إن دخلت الدار فإن كلمت زيداً فأنت طالق، لا يقع الطلاق إلا إذا دخلت الدار أولاً ثم كلمت زيداً ثانياً. ولو أسقطت الفاء من الشرط الثاني لكان له حكم غير هذا، وتفصيل ذكر في النحو. ومن العذاب في موضع الحال من الضمير المستكن في صلة ما.