{لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} وارتفاع ولا تكتموانه لكونه وقع حالاً، أي: غير كاتمين له وليس داخلاً في المقسم عليه. قالوا وللحال لا العطف، كقوله: {فاستقيما ولا تتبعان} وقوله: ولا يسأل في قراءة من خفف النون ورفع اللام. وقيل: الواو للعطف، وهو من جملة المقسم عليه. ولمّا كان منفياً بلا لم يؤكد، تقول: والله لا يقوم زيد، فلا تدخله النون. وهذا الوجه عندي أعرب وأفصح، لأن الأول يحتاج إلى إضمار مبتدأ، قبل لا، حتى تكون الجملة اسمية في موضع الحال، إذ المضارع المنفي بلالاً تدخل عليه واو الحال. وقرأ عبد الله: ليبينونه بغير نون التوكيد. قال ابن عطية: وقد لا تلزم هذه النون لام التوكيد، قاله: سيبويه انتهى. وهذا ليس معروفاً من قول البصريين، بل تعاقب اللام والنون عندهم ضرورة. والكوفيون يجيزون ذلك في سعة الكلام، فيجزون: والله لا قوم، ووالله أقومن. وقال الشاعر:
وعيشك يا سلمى لا وقن إنني
لما شئت مستحل ولو أنه القتل
وقال آخر:
يميناً لأبغض كل امرىء
يزخرف قولاً ولا يفعل
{لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ} .
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: لا يحسبن ولا يحسبنهم بالياء فيهما، ورفع باء يحسبنهم على إسناد يحسبن للذين، وخرجت هذه القراءة على وجهين: أحدهما ما قاله أبو عليّ: وهو أن لا يحسبن لم يقع على شيء، والذين رفع به. وقد تجيء هذه الأفعال لغواً لا في حكم الجمل المفيدة نحو قوله:
وما خلت أبقي بيننا من مودّة
عراض المداكي المشنقات القلائصا
وقال الخليل: العرب تقول: ما رأيته يقول ذلك إلا زيد، وما ظننته يقول ذلك إلا زيد. قال ابن عطية: فتتجه القراءة بكون فلا يحسبنهم بدلاً من الأول، وقد تعدّى إلى المفعولين وهما: الضمير وبمفازة، واستغنى بذلك عن المفعولين، كما استغنى في قوله: