{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ} وقرىء شاذاً: لمن منّ الله على المؤمنين بمن الجارة ومن مجرور بها بدل قد من. قال الزمخشري: وفيه وجهان: أن يراد لمن من الله على المؤمنين منه أو بعثه فيهم، فحذف لقيام الدلالة. أو يكون إذ في محل الرفع كإذا في قولك: أخطب ما يكون الأمير، إذا كان قائماً بمعنى لمن مَنَّ الله على المؤمنين وقت بعثه انتهى.

أمّا الوجه الأوّل فهو سائغ، وقد حذف المبتدأ مع من في مواضع منها: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به} {وما منا إلا له مقام} {وما دون ذلك} على قول. وأما الوجه الثاني فهو فاسد، لأنه جعل إذ مبتدأة ولم يستعملها العرب متصرفة ألبتة، إنما تكون ظرفاً أو مضافاً إليها اسم زمان، ومفعولة باذكر على قول. أمّا أنْ تستعمل مبتدأ فلم يثبت ذلك في لسان العرب، ليس في كلامهم نحو: إذ قام زيد طويل وأنت تريد وقت قيام زيد طويل. وقد قال أبو علي الفارسي: لم ترد إذ وإذا في كلام العرب إلا ظرفين، ولا يكونان فاعلين ولا مفعولين، ولا مبتدأين انتهى كلامه. وأمّا قوله: في محل الرفع كإذا، فهذا التشبيه فاسد، لأن المشبه مرفوع بالابتداء، والمشبه به ليس مبتدأ. إنما هو ظرف في موضع الخبر على زعم من يرى ذلك. وليس في الحقيقة في موضع رفع، بل هو في موضع نصب بالعامل المحذوف، وذلك العامل هو مرفوع. فإذا قال النحاة: هذا الظرف الواقع خبراً في محل الرفع، فيعنون أنه لما قام مقام المرفوع صار في محله، وهو في التحقيق في موضع نصب كما ذكرنا. وأما قوله في قولك: أخطب ما يكون الأمير إذا كان قائماً، فهذا في غاية الفساد. لأن هذا الظرف على مذهب من يجعله في موضع خبر المبتدأ الذي هو أخطب، لا يجيز أن ينطق به، إنما هو أمر تقديري. ونصّ أرباب هذا المذهب وهم القائلون بإعراب أخطب مبتدأ، أنَّ هذه الحال سدت مسد الخبر، وأنه مما يجب حذف الخبر فيه لسد هذه الحال مسده. وفي تقرير هذا الخبر أربعة مذاهب، ذكرت في مبسوطات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015