وفي إعراب مَنْ خلاف، ذهب الأكثرون إلى أنه بدل بعض من كل، فتكون مَن موصولة في موضع جر، وبدل بعض من كل لا بد فيه من الضمير، فهو محذوف تقديره، من استطاع إليه سبيلاً منهم. وقال الكسائي وغيره: من شرطية، فتكون في موضع رفع بالابتداء. ويلزم حذف الضمير الرابط لهذه الجملة بما قبلها، وحذف جواب الشرط، إذ التقدير من استطاع إليه سبيلاً منهم فعليه الحج، أو فعلية ذلك. والوجه الأوّل أولى لقلة الحذف فيه وكثرته في هذا. ويناسب الشرط مجيءُ الشرط بعده في قوله: {ومن كفر} وقيل: مَنْ موصولة في موضع رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره: هم من استطاع إليه سبيلاً. وقال بعض البصريين: مَنْ موصولة في موضع رفع على أنه فاعل بالمصدر الذي هو حج، فيكون المصدر قد أضيف إلى المفعول ورفع به الفاعل نحو: عجبت من شرب العسل زيد، وهذا القول ضعيف من حيث اللفظ والمعنى. أمّا من حيث اللفظ فإنّ إضافة المصدر للمفعول ورفع الفاعل به قليل في الكلام، ولا يكاد يحفظ في كلام العرب إلا في الشعر، حتى زعم بعضهم أنه لا يجوز إلا في الشعر. وأمّا من حيث المعنى فإنه لا يصح، لأنّه يكون المعنى: إنّ الله أوجب على الناس مستطيعهم وغير مستطيعهم أنْ يحج البيت المستطيع. ومتعلق الوجوب إنما هو المستطيع لا الناس على العموم، والضمير في إليه يعود على البيت، وقيل: على الحج. وإليه متعلق باستطاع، وسبيلاً مفعول بقوله استطاع لأنه فعل متعد. قال تعالى: {لا يستطيعون نصركم} وكل موصل إلى شيء، فهو سبيل إليه.
{وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنِ الْعَلَمِينَ} ومن شرطية وجواب الشرط الجملة المصدرة بالفاء، والرابط لها بجملة الشرط هو العموم الذي في قوله: {عن العالمين} إذْ مَن كفر فهو مندرج تحت هذا العموم.