لكن في هذا القول القول بأن: أن، المفتوحة تأتي للنفي بمعنى لا، ولم يقم على ذلك دليل من كلام العرب. والخطاب في: أو تتيم، وفي: يحاجوكم، على هذه الأقوال الثلاثة للطائفة السابقة، القائلة: {آمنوا بالذي أنزل} وأجاز بعض النحويين أن يكون المعنى: أن لا يؤتى أحد، وحذفت: لا، لأن في الكلام دليلاً على الحذف. قال كقوله: {يبين الله لكم أن تضلوا} أي: لا تضلوا. وردّ ذلك أبو العباس، وقال: لا تحذف: لا، وإنما المعنى: كراهة أن تضلوا، وكذلك هنا: كراهة أن يؤتي أحد مثل ما أوتيتم، أي: ممن خالف دين الإسلام، لأن الله لا يهدي من هو كاذب كفار، فهدى الله بعيد من غير المؤمنين.
والخطاب في: أوتيتم، و: يحاجوكم، لأمة محمد صلى الله عليه وسلّم فعلى هذا: أن يؤتى مفعول من أجله على حذف كراهة، ويحتاج إلى تقديره عامل فيه، ويصعب تقديره، إذ قبله جملة لا يظهر تعليل النسبة فيها بكراهة الإيتاء المذكور.
وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكون قوله: أن يؤتى، بدلاً من قوله: أن يؤتى، بدلاً من قوله: هدى الله، ويكون المعنى: قل إن الهدى هدى الله وهو أن يؤتى أحد كالذي جاءنا نحن. ويكون قوله: أو يحاجوكم، بمعنى: أو فليحاجوكم، فإنهم يغلبونكم. انتهى هذا القول. وفيه الجزم بلام الأمر وهي محذوفة ولا يجوز ذلك على مذهب البصريين إلاَّ في الضرورة.
وقال الزمخشري: ويجوز أن ينتصب: أن يؤتى، بفعل مضمر يدل عليه قوله {وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ} كأنه قيل: {قل إن الهدى هدى الله} فلا تنكروا أن يؤتى أحد مثل ما أوتوا. انتهى كلامه. وهو بعيد، لأن فيه حذف حرف النهي ومعموله، ولم يحفظ ذلك من لسانهم. وأجازوا أن يكون قوله {أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم} ليس داخلاً تحت قوله: قل، بل هو من تمام قول الطائفة، متصل بقوله: {ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم} ويكون قوله: {هل إن الهدى هدى الله} حملة اعتراضية بين ما قبلها وما بعدها.