وأما قراءة الياء وعطف: ويعلمه، على: يخلق، فليست مفسدة للمعنى، بل هو أولى وأصح ما يحمل عليه عطف: ويعلمه، لقرب لفظه وصحة معناه. وقد ذكرنا جوازه قبل، ويكون الله قد أخبر مريم بأنه تعالى يخلق الأشياء الغريبة التي لم تجرِ بها عادة، مثل ما خلق لك ولداً من غير أب، وأنه تعالى يعلم هذا الولد الذي يخلقه لك ما لم يعلمه قبله من الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل، فيكون في هذا الإخبار أعظم تبشير لها بهذا الولد، وإظهار بركته، وأنه ليس مشبهاً أولاد الناس من بني إسرائيل، بل هو مخالف لهم في أصل النشأة، وفيما يعلمه تعالى من العلم، وهذا يظهر لي أنه أحسن ما يحمل عليه عطف: ويعلمه.

{وَرَسُولاً إِلَى بَنِى إِسْرَءِيلَ أَنِّى قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ} اختلفوا في: رسولاً، هنا فقيل: هو وصف بمعنى المرسل على ظاهر ما يفهم منه وقيل: هو مصدر بمعنى رسالة، إذ قد ثبت أن رسولاً يكون بمعنى رسالة، وممن جوز ذلك فيه هنا الحوفي، وأبو البقاء، وقالا: هو معطوف على الكتاب، أي: ويعلمه رسالة إلى بني اسرائيل، فتكون: رسالة، داخلاً في ما يعلمه الله عيسى. وأجاز أبو البقاء في هذا الوجه أن يكون مصدراً في موضع الحال. وأما الوجه الأول فقالوا في إعرابه، وجوها.

أحدها: أن يكون منصوباً بإضمار فعل تقديره: ويجعله رسولاً إلى بني إسرائيل، قالوا: فيكون مثل قوله:

يا ليت زوجك قد غدا

متقلداً سيفاً ورمحاً أي: ومعتقلاً رمحاً. لما لم يمكن تشريكه مع المنصوبات قبله في العامل الذي هو: يعلمه، أضمر له فعل ناصب يصح به المعنى، قاله ابن عطية وغيره.

الثاني: أن يكون معطوفاً على: ويعلمه، فيكون: حالاً، إذ التقدير: ومعلماً الكتاب، فهذا كله عطف بالمعنى على قوله: وجيهاً، قاله الزمخشري، وثنى به ابن عطية، وبدأ به وهو مبني على إعراب: ويعلمه وقد بينا ضعف إعراب من يقول: إن: ويعلمه، معطوف على: وجيهاً، للفصل المفرط بين المتعاطفين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015