أعلم تعالى أن ثَمَّ مقربين، وأن عيسى منهم. ونظير هذا العطف قوله تعالى: {وانكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل} فقوله: وبالليل، جار ومجرور في موضع الحال، وهو معطوف على: مصبحين، وجاءت هذه الحال هكذا لأنها من الفواصل، فلو جاء: ومقرباً، لم تكن فاصلة.
{وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِى الْمَهْدِ وَكَهْلاً} وعطف: ويكلم، وهو حال أيضاً على: وجيهاً، ونظيره: {إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن} أي: وقابضات. وكذلك: ويكلم، أي: وملكماً. وأتى في الحال الأول بالأسم لأن الأسم هو للثبوت، وجاءت الحال الثانية جاراً ومجروراً لأنه يقد بالأسم. وجاءت الحالة الثالثة جملة لأنها في الرتبة الثالثة. أترى في الحال وصف في المعنى؟ فكما أن الأحسن والأكثر في لسان العرب أنه إكذا اجتمع أوصاف متغايرة بدىء بالأسم، ثم الجار والمجرور، ثم بالجملة. كقوله تعالى: {وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمان} فكذلك الحال، بدىء بالأسم، ثم الجار والمجرور، ثم بالجملة. وكانت هذه الجملة مضارعية لأن الفعل يشعر بالتجدد، كما أن الأسم يشعر بالثبوت، ويتعلق: في المهد، بمحذوف إذ هو في موضع الحال، التقدير: كائنا في المهد وكهلاً، معطوف على هذه الحال، كأنه قيل: طفلاً وكهلاً، فعطف صريح الحال على الجار والمجرور الذي في موضع الحال. ونظيره عكساً: {وانكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل} ومن زعم أن: وكهلاً، معطوف على: وجيهاً، فقد أبعد.