{فَنِعِمَّا هِىَ} الفاء جواب الشرط، و: نعم، فعل لا يتصرف، فاحتيج في الجواب إلى الفاء والفاعل بنعم مضمر مفسر بنكرة لا بتكون مفردة في الوجود نحو: شمس وقمر. و: لا، متوغلة في الإبهام نحو غير. ولا أفعل التفضيل نحو أفضل منك، وذلك نحو: نعم رجلاً كزيد، والمضمر مفرد وإن كان تمييزه مثنى أو مجموعاً، وقد أعربوا: ما، هنا تمييزاً لذلك المضمر الذي في نعم، وقدروه بشيئاً: فما، نكرة تامة ليست موصوفة ولا موصولة، وقد تقدّم الكلام على: ما، اللاحقة لهذين الفعلين، أعني: نعم وبئس، عند قوله تعالى: {بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا} (البقرة: 90) وقد ذكرنا مذاهب الناس فيها، فأغنى ذلك عن إعادته هنا، وهي: ضمير عائد على الصدقات، وهو على حذف مضاف أي: فنعما، إبداؤها، ويجوز أن لا يكون على حذف مضاف، بل يعود على الصدقات بقيد وصف الإبداء، والتقدير في: فنعما هي، فنعما الصدقات المبدأة وهي مبتدأ على أحسن الوجوه، وجملة المدح خبر عنه، والرابط هو العموم الذي في المضمر المستكن في: نعم.
{وَإِن تُخْفُوهَا} الضمير المنصوب في: تخفوها، عائد على الصدقات، لفظاً ومعنى، بأي تفسير فسرت الصدقات، وقيل: الصدقات المبداة هي الفريضة، والمخفاة هي التطوّع، فيكون الضمير قد عاد على الصدقات لفظاً لا معنى، فيصير نظير: عندي درهم ونصفه، أي: نصف درهم آخر، كذلك: وإن تخفوها، تقديره: وإن تخفوا الصدقات غير الأولى، وهي صدقة التطوّع، وهذا خلاف الظاهر، والأكثر في لسان العرب، وإنما احتجنا في: عندي درِهم ونصفه، إلى أن نقول: إن الضمير عائد على الدرهم لفظاً لا معنى لاضطرار المعنى إلى ذلك، لأن قائل ذلك لا يريد أن عنده درهماً ونصف هذا الدرهم الذي عنده. وكذل قول الشاعر:
كأن ثياب راكبه بريح
خريق وهي ساكنة الهبوب
يريد: ريحاً أخرى ساكنة الهبوب.
{وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَآءَ} فيه تنبيه على تطلب مصارفها وتحقق ذلك وهم الفقراء.