وقال ابن عطية: اللام في الهدى للعهد، والمراد الأول. انتهى كلامه. يعني: أنه أتى به منكراً أولاً، ثم أتى به معرفاً ثانياً، فدل على أنه الأول كقوله تعالى: {كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصى فرعون الرسول} (المزمل: 16) } فمعلوم أن الرسول الذي عصاه فرعون هو الرسول الذي أرسل إليه، ومن ذلك قولهم: لقيت رجلاً فضربت الرجل، فالمضروب هو الملقى؟ ويعتبر ذلك بجعل ضمير النكرة مكان ذلك هذا الثاني، فيصح المعنى، لأنه لو أتى فعصاه فرعون، أو: لقيت رجلاً فضربته لكان كلاماً صحيحاً، ولا يتأتى هذا الذي قاله ابن عطية هنا، لأنه ذكر هو والمعربون: أن هدىً منصوب على الحال وصف في ذي الحال، وعطف عليه وبينات، فلا يخلو قوله: من الهدى، المراد به الهدى الأول من أن يكون صفة لقوله: هدى، أو لقوله: وبينات، أو لهما، أو متعلق بلفظ بينات، لا جائز أن يكون صفة لهدى، لأنه من حيث هو وصف لزم أن يكون بعضاً، ومن حيث هو الأول لزم أن يكون هو إياه، والشيء الواحد لا يكون بعضاً. كلاً بالنسبة لماهيته، ولا جائز أن يكون صفة لبينات فقط، لأن وبينات معطوف على هدى، وهدى حال، والمعطوف على الحال حال، والحال وصف في ذي الحال، فمن حيث كونهما حالين تخصص بهما ذو الحال إذ هما وصفان، ومن حيث وصفت بينات بقوله: من الهدى، خصصها به، فوقف تخصيص القرآن على قوله هدى وبينات معاً، ومن حيث جعلت من الهدى صفة لبينات توقف تخصيص بينات على هدى، فلزم من ذلك تخصيص الشيء بنفسه، وهو محال، ولا جائز أن يتعلق بلفظ: وبينات، لأن المتعلق تقييد للمتعلق به، فهو كالوصف، فيمتنع من حيث يمتنع الوصف.

وأيضاً فلو جعلت هنا مكان الهدى ضميراً، فقلت: وبينات منه أي: من ذلك الهدى، لم يصح، فلذلك اخترنا أن يكون الهدى والفرقان عامين حتى يكون هدى وبينات بعضاً منهما.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015