وقد تكلمنا على أحكام {أرأيت} بمعنى أخبرني في غير موضع منها التي في سورة الأنعام، وأشبعنا الكلام عليها في شرح التسهيل. وما قرره الزمخشري هنا ليس بجار على ما قررناه، فمن ذلك أنه ادعى أن جملة الشرط في موضع المفعول الواحد، والموصول هو الآخر، وعندنا أن المفعول الثاني لا يكون إلا جملة استفهامية، كقوله: {أفرأيت الذي تولى، وأعطى قليلاً وأكدى، أعنده علم الغيب} ، {أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولداً، اطلع الغيب} ، {أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه} ، وهو كثير في القرآن، فتخرج هذه الآية على ذلك القانون، ويجعل مفعول {أرأيت} الأولى هو الموصول، وجاء بعده {أرأيت} ، وهي تطلب مفعولين، وأرأيت الثانية كذلك؛ فمفعول {أرأيت} الثانية والثالثة محذوف يعود على {الذي ينهى} فيهما، أو على {عبداً} في الثانية، وعلى {الذي ينهى} في الثالثة على الاختلاف السابق في عود الضمير، والجملة الاستفهامية توالى عليها ثلاثة طوالب، فنقول: حذف المفعول الثاني لأرأيت، وهو جملة الاستفهام الدال عليه الاستفهام المتأخر لدلالته عليه. حذف مفعول أرأيت الأخير لدلالة مفعول أرأيت الأولى عليه. وحذفاً معاً لأرأيت الثانية لدلالة الأول على مفعولها الأول، ولدلالة الآخر لأرأيت الثالثة على مفعولها الآخر. وهؤلاء الطوالب ليس طلبها على طريق التنازع، لأن الجمل لا يصح إضمارها، وإنما ذلك من باب الحذف في غير التنازع. وأما تجويز الزمخشري وقوع جملة الاستفهام جواباً للشرط بغير فاء، فلا أعلم أحداً أجازه، بل نصوا على وجوب الفاء في كل ما اقتضى طلباً بوجه مّا، ولا يجوز حذفها إلا إن كان في ضرورة شعر.