وقوله تعالى: ليتفقهوا، الضمير فيه للفرق الباقية بعد الطوائف النافرة، ولينذروا قومهم، ولينذر الفرق الباقية قومهم النافرين إذا رجعوا إليهم ما حصلوا في أيام غيبتهم من العلوم، وعلى الأول الضمير للطائفة النافرة إلى المدينة للتفقه.
يحتمل أن يكون خطاب بعض المنافقين لبعض على سبيل الإنكار والاستهزاء بالمؤمنين، ويحتمل أن يقولوا: ذلك لقراباتهم المؤمنين يستقيمون إليهم ويطمعون في ردهم إلى النفاق. ومعنى قولهم ذلك: هو على سبيل التحقير للسورة والاستخفاف بها، كما تقول: أي غريب في هذا وأي دليل في هذا، وفي الفتيان قيل: هو قول المؤمنين للبحث والتنبيه. وقرأ الجمهور: رأيكم بالرفع. وقرأ زيد بن علي، وعبيد بن عمير: أيكم بالنصب على الاشتغال، والنصب فيه عند الأخفش أفصح كهو بعد أداة الاستفهام نحو: أريد اضربته. والتقسيم يقتضي أنّ الخطاب من أولئك المنافقين المستهزئين عام للمنافقين والمؤمنين.
الضمير في يرون عائد على الذين في قلوبهم مرض، وذلك على قراءة الجمهور بالياء. وقرأ حمزة: بالتاء خطاباً للمؤمنين. والرؤية يحتمل أن تكون من رؤية القلب، ومن رؤية البصر. وقرأ أبي وابن مسعود، والأعمش: أو لا نرى أي أنت يا محمد؟ وعن الأعمش أيضاً: أو لم تروا؟
الظاهر إطلاق السورة أية سورة كانت. وقيل: ثم صفة محذوفة أي: سورة تفضحهم ويذكر فيها مخازيهم.
صرف الله قلوبهم صيغته خبر، وهو دعاء عليهم بصرف قلوبهم عما في قلوب أهل الإيمان، قاله الفراء.
وقرأ ابن عباس، وأبو العالية، والضحاك، وابن محيصن، ومحبوب، عن أبي عمرو وعبد الله بن قسيط المكي، ويعقوب من بعض طرقه: من أنفسكم بفتح الفاء. ورويت هذه القراءة عن رسول الله، وعن فاطمة، وعائشة رضي الله عنهما، والمعنى: من أشرفكم وأعزكم، وذلك من النفاسة، وهو راجع لمعنى النفس، فإنها أعز الأشياء. والظاهر أنّ ما مصدرية في موضع الفاعل بعزيز أي: يعز عليه مشقتكم كما قال:
يسر المرء ما ذهب الليالي