{مَّا فَرَّطْنَا فِى الكِتَبِ مِن شَىْءٍ} والتفريط التقصير فحقه أن يتعدى بفي كقوله {على ما فرطت في جنب الله} وإذا كان كذلك فيكون قد ضمن ما أغفلنا وما تركنا ويكون {من شيء} في موضع المفعول به و {من} زائدة، والمعنى: ما تركنا وما أغفلنا في الكتاب شيئاً يحتاج إليه من دلائل الإلهية والتكاليف، ويبعد جعل من هنا تبعيضية وأن يكون التقدير ما فرطنا في الكتاب بعض شيء يحتاج إليه المكلف، وإن قاله بعضهم. وجعل أبو البقاء هنا من شيء واقعاً موقع المصدر، أي تفريطاً.
{من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم} مفعول {يشأ} محذوف تقديره من يشأ الله إضلاله {يضلله} ومن يشأ هدايته {يجعله} ولا يجوز في من فيهما أن يكون مفعولاً بيشأ للتعاند الحاصل بين المشيئتين، (فإن قلت) : يكون مفعولاً بيشأ على حذف مضاف تقديره إضلال من يشاء الله وهداية من يشاء الله، فحذف وأقيم من مقامه ودل فعل الجواب على هذا المفعول. فالجواب: أن ذلك لا يجوز لأن أبا الحسن الأخفش حكى عن العرب أن اسم الشرط غير الظرف والمضاف إلى اسم الشرط لا بد أن يكون في الجواب ضمير يعود على اسم الشرط أو المضاف إليه، والضمير في {يضلله} إما أن يكون عائداً على إضلال المحذوف أو على من لا جائز أن يعود على إضلال فيكون كقوله {يغشاه موج من فوقه} إذ الهاء تعود على ذي المحذوفة من قوله: أو كظلمات إذ التقدير أو كذي ظلمات لأنه يصير التقدير إضلال {من يشأ الله يضلله} أي يضلل الإضلال وهذا لا يصحّ ولا جائز أن يعود على من الشرطية لأنه إذ ذاك تخلوا الجملة الجزائية من ضمير يعود على المضاف إلى اشم الشرط وذلك لا يجوز.
(فإن قلت) : يكون التقدير من يشأ الله بالإضلال فيكون على هذا مفعولاً مقدماً لأن شاء بمعنى أراد ويقال أراده الله بكذا. قال الشاعر:
أرادت عرار بالهوان ومن يرد
عرار العمرى بالهوان فقد ظلم