يستطيع أن يتذوق كلام العرب، وعكس ذلك استخدام المفرد دون الجمع ككلمة الأرض، الأرض لم ترد مجموعة في القرآن، حتى إ ن المتأمل يجد أن الموضع الذي كان يقتضي أن يُذكر فيه جمع الأرض بمعنى أن الآيات جميعها إذا نظرت فيها: {فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض} (البقرة: 164)، {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض} (البقرة: 107) السماوات بصيغة الجمع والأرض بصيغة الإفراد، فهل هي أرض واحدة؟ لا هي أراضين وهي مجموعة وهي سبع كما أن السماوات سبع، فعندما جاء القرآن في موضع يستدعي المقابلة بين العدد وغيره بالنص عليه جاء قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} (الطلاق: 12).
انظر إلى جمال القرآن الكريم، لم يقل الله الذي خلق سبع سماوات وسبع أراضين مثلهن، وإنما: ومن الأرض مثلهن، كان ذلك من الإبداع في اختيار اللفظة التي تلاءم السياق القرآني والنص القرآني.
كذلك عندنا كلمة في القرآن الكريم حار أهل البلاغة في تصويرها وبما فيها من جمال، كلمة لم تُذكر فاحتاروا فيما ذُكر مكانها، وهذا موقف من مواقف فرعون مع هامان: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا} (القصص: 38)، ماذا يريد فرعون من هامان؟ هو يريد منه أن يبني له صرحًا من الطوب المحرق الذي يدخل المحرقة، ويُصنع بطريقة سريعة لا تستدعي أن يأتي بالصخر وغيره ليشيد بناءً، فهو يريد أن يستعجل البناء ويريد أن يكون عاليًا، يصل إلى عنان السماء لعله يطلع إلى إله موسى كما ذكر في موضع آخر، فانظر إلى التعبير القرآني لم يذكر الآجُر، أو القرمد المرادف لما فيه من تنافر ولما فيه من ثقل في النطق وغيرها.