هذا رأي، رأي ذهب إلى أن التلاؤم ناتج من البعد عن خروج الأحرف من مخارج قريبة أو مخارج بعيدة، فجاء الكلام على صورة من التلاؤم البديع ليست موجود في أي نص ولا يستطيع أي فصيح -مهما بلغت فصاحته- أن يلتزم هذا التلاؤم في جميع كلامه، بدليل أنهم أخذوا ملاحظات على كبار الشعراء في الجاهلية وفي صدر الإسلام، وكبار اللغويين والنحاة وغيرهم ممن هم أهل اللغة وأرباب الفصاحة والمستشهد بكلامهم، أخذوا عليهم أمثلة عديدة في عدم التلاؤم وفي وجود التنافر في كلامهم؛ لذلك يدعوك من تأمل هذه المسألة إلى أن تتأمل صور التلاؤم في كتاب الله -سبحانه وتعالى- والأمثلة التي تُذكر لذلك.
هذا التلاؤم يراه البلاغيون الذين تعمقوا في الدراسة ليس فقط بسبب المخارج وبسبب القرب أو البعد، وإنما هو يعتمد في المقام الأول على الذوق، يعتمد في المقام الأول على تقبل من يسمع الكلام بأن ذوقه اللغوي ذوق عربي سليم، فما عده الذوق ثقيلًا فهو متنافر، وإلا فلا تنافر فيه.
هذا الرأي الآخر في مسألة التنافر؛ أنه لا يرتبط بالمخارج قدر ما يرتبط بالذوق، ويبدأ أهل العلم يستدلون بآيات من القرآن وكلمات من القرآن تدل على التلاؤم في ألفاظه الكريمة.
مثال يُستشهد به هو استخدام الإفراد والجموع، كيف استخدام الإفراد والجموع؟
أنت حين تنظر في كتابه الله -عز وجل- تجد جموعًا لا مفرد لها، وتجد مفردات لا جمع لها، ليس في الوضع اللغوي وإنما في النص القرآني، بمعنى أنك تجد مثلًا كلمة الألباب فإن سألتك عن مفردها قلت لب، فإن سألتك عن وجوده في كتاب الله قلت: ليس هناك آية في كتاب الله بها لفظ لب، وإنما لم يُستخدم في القرآن إلا لفظ الألباب، فاستُخدم الجمع ولم يُستخدم المفرد، كقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَاب} (الزمر: 21) وغير ذلك من الآيات العديدة.