بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الحادي والعشرون
(الفصل والوصل في القرآن)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين سيدنا محمد بن عبد الله -صلوات الله وسلامه عليه وأصحابه- وسلم تسليما كثيرًا، وبعد:
نبدأ بما انتهينا به من الحديث عن مبحث الفصل والوصل، وقلنا: إن لنا تعليقًا على دراسة هذا المبحث من الناحية البلاغية، وهذا التعليق لأستاذنا العلامة الدكتور/ محمد أبو موسى أشار إليه في كتابه (دلالات التراكيب: دراسة بلاغية)، فعقب على دراسة البلاغيين لهذا المبحث بالنظر إلى الأسلوب القرآني، وهذا الذي هو غاية دراستنا، فلذا يجدر بنا أن نقف مع هذا التعليق للدكتور/ محمد أبو موسى.
عندما يعرض أستاذنا هذا المبحث يجد أشياء ينبه إليها، فيقول: "قد تجد هذه الأساليب وقد جاءت موصولة بالواو"، أي: ما نص البلاغيون على أنه يجب فيه الفصل، وعدم الوصل بالواو جاء بعضه موصولًا بالواو، فأشار إلى مواضع:
الموضع الأولى: هو ما أطلقوا عليه كمال الاتصال، يقول: "ومما وقعت فيه الواو مع الجملة المنزلة منزلة التوكيد قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} (الأحزاب: 7)، فعطف قوله: {وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} على سابقه، وإن كان الميثاق هنا هو الميثاق هناك، والأخذ هنا هو الأخذ هناك، ليوهم أنه لما وصف بأنه غليظ صار كأنه ميثاق آخر، وذلك تفخيم لشأن الميثاق، وتنويه به، وعلى طريقته قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} (هود: 58) فقد عطف {وَنَجَّيْنَاهُمْ} على {نَجَّيْنَا هُودًا} وإن كانت النجاة واحدة وذلك؛ لأنه لما ذكر ما نجاهم منه كانت النجاة الثانية كأنها نجاة مختلفة عن الأولى، فعطفها عليها تمييزًا لها، وتفخيمًا لشأنها،