الموضع الثالث من مواضع الوصل: أن يكون بين الجملتين كمال انقطاع، مع إيهام الفصل خلاف المقصود، وهذا يُمثل له البلاغيون بهذه العبارة الجميلة، التي كانت من أبي بكر -رضي الله عنه- عندما مر برجل في يده ثوب، فقال له الصديق: "أتبيع هذا؟ فقال: لا يرحمك الله. فقال له: لا تقل هكذا، ولكن قل: لا ويرحمك الله". فتجد أن الجملة الأولى خبرية في اللفظ والمعنى؛ فهو يقول: لا، التقدير لا أبيعه فهذه جملة خبرية. والجملة الثانية "يرحمك الله" خبرية في اللفظ إنشائية في المعنى؛ لأنه يريد بها الدعاء، فليس بين الجملتين اتفاق في المعنى، ولكن لما كان عدم استخدام الواو يوهم بخلاف المقصود، بأننا إذا كان الكلام: لا يرحمك الله توهم منه أنه قد يكون داعيًا عليه، لا داعيًا له؛ فأرشده الصديق -رضي الله عنه- أن يضع الواو أن يقول: "لا ويرحمك الله". لذا وجب العدول عن الفصل إلى الوصل بالواو دفعًا لهذا الإيهام.
ومما استشهدوا به على حسن ذلك ما روي أن الرشيد سأل وزيره عن شيء، فقال له: "لا، وأيد الله الخليفة". لأنه لو طرح الواو وقال: لا أيد الله الخليفة، رُبما تسبب ذلك في هلاكه لظنه أنه يدعو على الخليفة لا يدعو له، ولذا قال من حضر: هذه الواو أحسن من واوات الأصداغ في خدود المرد الملاح.
مواضع الفصل: أي عدم العطف وعدم استخدام الواو وهذه المواضع خمسة: كمال الاتصال، وكمال الانقطاع، والتوسط بين الكمالين، وشبه كمال الاتصال، وشبه كمال الانقطاع. فأول موضع هو: كمال الاتصال: ويقصد به أن تتحد الجملتان اتحادًا تامّا؛ بحيث تنزل الثانية من الأولى منزلة نفسها، ويكون ذلك في ثلاثة مواضع؛