يتضح من كلام هذا الإمام الجليل أن الفصل والوصل هو العطف وعدم العطف، أي: متى تعطف جملة على أخرى بحرف العطف، ومتى لا تعطفها؟. وقد تطور هذا الفن وهذا المصطلح على مدار الدرس البلاغي للقرآن الكريم، فبدا في أقوال الأئمة الأولين من أمثال سيبويه في كتابه، والفراء في كتابه (معاني القرآن) ثم تطور المصطلح عند العلماء وتحدثوا فيه، إلى أن جاء الجرجاني في كتابه (دلائل الإعجاز) وأوضح نظرية "الفصل والوصل"، ووضع لها ضوابط ومصطلحات تطورت بعده، إلى أن أتى السكاكي في كتابه (مفتاح العلوم) وقعّد مسائل الفصل والوصل، وجعلها مهيئة للدرس. ومن ثَمّ نجد العلماء يختلفون في تناولهم لهذه المسألة، ما بين مطلق لها العنان، ومتأمل في جوانبها، وموضح ما فيها، مع الأخذ والرد لأقوال العلماء والاهتمام بها، ودِرَاسَتها في ضوء الدرس اللغوي الحديث، كما فعل أستاذنا منير سلطان؛ فأفرد بحثًا بعنوان: "الفصل والوصل في القرآن الكريم، دراسة في الأسلوب" فحاول أن يبرمج في كتابه هذه النظرية، متتبعًا تطورها، ومظهرًا فنونها وأركانها، ومحددًا مصطلحاتها مع بيان نماذج من القرآن والتطبيق عليها في الفنين.
ومنهم من تناولها تناولًا أكاديميًّا تقليديًّا كتناول السكاكي عندما جعلها قواعد تدرس، وهذا ما عليه كثيرٌ من الباحثين، وآخرون يتناولون القضية على مذهب الأقدمين، وعلى الطريقة التقليدية، ولكنهم يبينون فيها وجهًا من الخلاف، ويُرجحون أشياء ويذكرونها، ويرون أشياء تَصْلُح للدرس البلاغي، موضحين من خلال كلامهم: أنّ ليس كل ما قيل من مصطلحات سنذكرها لك في محل الاتفاق، وإنّما قد يؤخذ عليه مآخذ، ويرد عليه أمور، ومن ثم فالمسألة تحتاج إلى تحليل ودرس دقيق.