ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أشياء كثيرة عن الغيبيات المستقبلة، يقول: وفي القرآن من الأخبار المستقبلات شيء كثير، كقوله تعالى: {الم*غُلِبَتِ الرُّومُ*فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ*فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ*بِنَصْرِ اللَّهِ} (الروم1 - 5). هذه القصة العجيبة قصة فارس والروم ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- متى؟ ذكرها وقت انتصار الفرس، هل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستطيع أن يخبر بأن الروم ستنتصر وأن دولة الفرس ستهزم على يد الروم، وأن ذلك سيحدث في بضع سنين، في الأمر الذي كان يعرّض فيه للتكذيب، ولأنه -صلى الله عليه وسلم- يُحارب بشتى صور المحاربة، يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا الخبر وهو ليس وحيًا يوحى به إليه من الله -سبحانه وتعالى، لم يكن من العقل أن يحدث ذلك من رجل يدعو الناس لنبذ معتقداتهم ولترك ما هم عليه من الباطل، فكان خبره -صلى الله عليه وسلم- بهذا النصر وبهذا الفرح الذي جمع فرح إعجاز في هذه الآية و {يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ} وافق انتصار الروم على الفرس انتصار المسلمين في غزوة بدر على المشركين، فجُمع الفرح {يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ} وكذلك خبره -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} (النور: 55).
هذا الوعد في وقت كانوا تحت طحن المشركين كما يقال وتحت المحاربة الشديدة، وكان وعد الله -سبحانه وتعالى- بالاستخلاف في الأرض وحدث ذلك في زمن النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فما قُبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا وكان العرب جميعًا تحت لوائه -صلوات الله وسلامه عليه، كذلك المسألة المشهورة في قصة الحديبية والفتح في سورة الفتح: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} (الفتح: 28).