بدوي -رحمه الله- لم يذكر مرجعًا لهذه العبارة، وعبارات النظام -كما قلت- ليس هناك كتاب نستطيع أن نأخذ منه عبارة النظام بنصها، فواضح أن هذا هو ما اشتهر عن النظّام، صاغه أستاذنا بهذه العبارة.
إن تركيب الكلام في حد ذاته ليس على مقدار فصاحة النظام التي تحدثوا عنها وذكروها، من هنا نأتي إلى النقطة الثالثة:
أنه ليست قضيتنا الدفاع عن المعتزلة، وبيان ما يليق بمكانتهم، وأنهم أهل فصاحة وأهل بلاغة وأهل بيان، وأن هذه المسألة قال بها كثير من المعتزلة ممن يُعرفون بإدراكهم لبلاغة القرآن وفصاحته، هذا الكلام ليس قضيتنا، وليس هو مناط حديثنا؛ لأن المعتزلة كم لهم من سقطات في الاعتقادات، بلغت درجة الضلالات، ونسأل الله السلامة والعافية من أهل البدع والأهواء عمومًا.
فالقضية ليست دفاعًا عن المعتزلة، وإن هؤلاء مع فصاحتهم ومع بلاغتهم وقعوا في أخطر من القول بالصرفة؛ يعني وقعوا في أشياء أخطر من الصرفة.
ورابعًا: خلاصة الصرفة: أن القول بالصرفة بمعنى صرفهم قهرًا عن الإتيان بمثل القرآن- مردود، ولا يُقبل من صاحبه النظام أو غيره.
أما القول بها بمعنى أنهم انصرفوا عن معارضته اعترافًا بالعجز عن مضاهاته إدراكًا لتفرده وعلو شأنه وتفرد نظمه- فهذا يُقبل ولا شيء فيه؛ لأنه يندرج تحت الجهود الأخرى التي تعرضت لإعجاز القرآن في نظمه وأسلوبه وتراكيبه، كما سندرس إن شاء الله.
فشتان ما بين الصرف والانصراف؛ الصرف: يكون بفعل خارج عنهم، أما الانصراف فيكون بفعل منهم؛ {ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُم} (التوبة: 127).
هذه مسألة الصرفة، قد فرغنا منها، وقلنا فيها ما يكفي إن شاء الله -سبحانه وتعالى.