وإنما تقع إنَّ في موضع الفاء إذا كانت جملتها توضح ما قبلها، وتبين وجهَ الفائدة كما ذكر عبد القاهر من الآيات، فكما ذكرنا في قوله -سبحانه وتعالى: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} تبين سبب أمرهم بالتقوى، وكذلك: {إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} إذ تبين السبب في طلب الصلاة لهم من النبي -صلى الله عليه وسلم. ولكن ذلك لا يطرد في كل موضع، بل هناك ما لا يحصَى من الجمل التي لا تقتضي الفاء. يعني: أن كون إنَّ تحل محل الفاء في الربط، هذا لا يطرد في جميع المواضع، فمثال عدم الاطراد أو عدم صحة إحلال الفاء قوله -سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} (الدخان: 51، 52)، فقبله: {إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} (الدخان: 50) ولو أنك قلت: إن هذا ما كنتم به تمترون فالمتقون في جنات وعيون، لم يكن كلامًا.
وقوله -سبحانه وتعالى: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ * إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} (الأنبياء: 100، 101)، فلو أتينا مكان إنَّ بالفاء، لم تجد لها وجهًا، كما أنه لا يجوز المجيء بالفاء مكان إنَّ في قوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (الحج: 17)، وقوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} (الكهف: 30)، لأن جملة إنَّ الثانية خبر عن الأولى في الآيتين والخبر لا يجوز عطفه على المبتدأ.
أشار الجرجاني أيضًا إلى بعض خصائص إنَّ في التوكيد يقول: "ومن خصائصها: أنك ترى لضمير الأمر أو الشأن معها من الحسن واللطف ما لا تراه إذا هي لم تدخل عليه، بل تراه لا يصلح حيث يصلح إلا بها".