من الأغراض التي أكدها القرآن الكريم أيضًا على مدار السور والآيات: هو تقرير أن الكتاب الذي جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو منزل من عند الله: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} (النساء: 105)، {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا} (الرعد: 31)، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9)، إلى غيرها من الآيات. وكذلك تأكيد أنَّ كتاب الله كتاب هداية ينير البصائر، ويجعلها تهتدي إلى أقوم طريق، يقول المولى -سبحانه وتعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (الإسراء: 9).
هذا مقدار مما أكد القرآن الكريم معانيه في كتابه على مدار السور والآيات، بالإضافة إلى الرد على منكري البعث، والأمور التي كثر فيها الجدل، فإن القرآن استخدم التأكيد؛ لبيان معان هي من أسس الشريعة التي جاء بها النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- رحمةً للعالمين.
والآن ننتقل إلى الحديث عن صور وأساليب التوكيد:
التوكيد له صور عديدة، وابتداءً نوضح أن هناك فرقًا بين حديثنا عن التوكيد، وبين حديث النحاة عن التوكيد. فالنحاة يقسمون التوكيد إلى نوعين؛ توكيد لفظي: وهو ما كان بإعادة اللفظ المراد توكيده، ويعرب توكيدًا، ويتبعه في الإعراب: رفعًا ونصبًا وجرًّا، وتوكيد معنوي: وهو ما كان بألفاظ معينة تُستخدم لغرض التوكيد: ككل وجميع وكلا وكلتا ونفس وعين. هذا التقسيم النحوي.
أما صور التوكيد عند البلاغيين تقسَّم إلى أساليبَ وصورٍ عديدة؛ منها: ما يسمونه أيضًا بالتوكيد اللفظي، ولكن ليس بمعنى الإعراب كما يذهب إليه النحاة، وإنما هو بإعادة اللفظ المراد توكيدُه، سواء كان مفردًا اسمًا أو فعلًا أو