وكثير منها يُقر عند أهل العلوم الثلاثة الذين يتضافرون على خدمة كتاب الله: علم النحو، وعلم البيان والمعاني، وعلم التفسير، فهذه العلوم الثلاثة تتضافر على بيان ما في كتاب الله -سبحانه وتعالى-.
يبقى في حذف المتعلقات ما أُفرد له حديث، وهو الكلام عن حذف المفعول به.
وقبل الكلام عن حذف المفعول به نفرغ من الكلام عن الحذف ببيان: أن مِن أنماط الحذف حذفُ الجملة، كقوله تعالى: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} (البقرة: 60) والتقدير: فضرب فانفجرت، فهنا حذف السبب وذكر المسبب. وكقوله تعالى: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ} (الأنفال: 8). وا لتقدير: فعل الله ما فعل من كثرة قوة أهل الشرك؛ ليحق الح ق ويبطل الباطل. فحذف المسبب وذكر السبب.
ومن نماذج حذف أكثر من جملة في القرآن، وذلك أكثر ما يكون في القصص القرآني: قوله تعالى في سورة يوسف: {أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُون * يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ} [يوسف:45 - 46] عندما قص الملك رؤياه على نزيل السجن مع يوسف -عليه السلام- الذي كان ساقيًا للملك، فقال لهم: {أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُون} فبعدها جاء الخطاب القرآني {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ} فهنا حذف جمل، وهناك تفصيلات جزئية تعرف من السياق وتوصل بها إلى الكلام المباشر مع يوسف -عليه السلام- وهذا الحذف يفهمه من ينظر في سياق الآيات {أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُون} فأرسلوه إلى يوسف، فقابل يوسف فقال له: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا}.
وكذلك في قوله تعالى {فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا} [الفرقان: 36] أي: فأتياهم، فأبلغاهم الرسالة، فكذبوهما؛ فدمرناهم تدميرًا.