وقولنا: ليس لنا آلهة ثلاثة، لا يوجب ثبوت اثنين البتة، فإن قلتَ: إن كان لا يوجبه فإنه لا ينفيه، قيل: ينفيه ما بعده من قوله تعالى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ}.
هكذا نرى الجرجاني عرض المسألة؛ ليرجح وجهًا على آخرَ، ويستدل له باتصال المسألة بالعقيدة، وهذه مسألة تهم البلاغيين وتهم مَن يتصدَّى لبيان القرآن، أن يكون ما يذهب إليه ليس عليه شيء، أو ليس عليه ما يؤدي إلى فساد المعنى، أو إلى معنًى خطأٍ، فيستعاذ منه ولا يرضَى العلماء أن ينسبَ إليهم هذا القول، أو أن يقولوا به.
- التنبيه الثاني في مسألة حذف المسند والمسند إليه: هو اختلافهم فيما إذا كان المسند إليه فاعلًا هل يجوز حذفه؟ فارتضى بعض البلاغيين أن يعتبر من باب حذف المسند إليه حذف الفاعل وإن كان الفعل مبنيًّا للمعلوم؛ لأنهم اتفقوا مع النحاة في جواز حذفه إذا كان الفعل مبنيًّا للمجهول كما سبق أن مثَّلنا. أما اختلافهم ففي نحو قوله تعالى: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} (القيامة: 26) {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} (ص: 32) {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} (الأنعام: 94) {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} (يوسف: 35) في هذه المواضع كان الاختلاف في جواز حذف الفاعل مع بناء الفعل للمجهول، وهي مسألة نحوية أكثر منها بلاغية؛ لأننا في البلاغة نرى أن المسألة واضحة كأن الفاعل غير مذكور في هذه الآيات الكريمة.
أما قضية حذفه وعدمه فهي قضية خلاف مشهورة بين الكوفيين والبصريين؛ والكوفيون يجيزون حذف الفاعل بلا تحرز، والبصريون يعددون المواضع القياسيةَ التي يجوز فيها حذف الفاعل، ويمنعون حذفه فيما عدا ذلك.
وهذا فقط أردت أن أشير إليه في باب حذف المسند والمسند إليه.