وهذه الأغراض -كما قلنا- يمثلون لها بأمثلة وبجُمل من الكلام، وأشياء يحتجون بها بذكر المسند إليه، وأعجبها -كما أشار أستاذنا الدكتور شفيع- قولهم التسجيل على السامع بين يدي القاضي؛ حتى لا يكون أمامه سبيل إلى الإنكار، ومثَّلوا بذلك بأن يقول للقاضي مثلًا عند التسجيل عليه كتابةً: إنما فهم الشاهد أنك أشرتَ إلى غيره، فأجاب بما أجاب به، يعني: هذه مسألة غريبة، يعني: يقول الشاهد: نعم، فلان هذا أقرَّ أمامي بكذا، من الأشياء التي ذكروها، ومن الأشياء التي عدت في ذكر المسند إليه.
النقطة الثانية في دواعي الذكر هي ذكر المسند، المسند أي: الفعل أو الخبر.
معلوم أن الأصل هو الذكر، فإذا ما ذكر كان ذلك هو الأصل في الكلام، فذكروا من الأغراض التي ذكروها في ذلك أيضًا الاحتياط لضعف التعويل على القرينة، أي: أن في الكلام قرينةً تدل على المحذوف لو حذف، إلا أنه ليس لها من القوة والإيضاح ما يلهم السامع المعنى، وذلك كقولك لمن سألك: مَن أكرم العرب وأشجعهم في الجاهلية؟ تقول في جوابك: عنترة أشجع العرب، وحاتم أجودهم، فتذكر أشجع وأجودَ؛ خشيةَ أن يلتبس على السامع إذا قلت: عنترة وحاتم، من غير أن تعين صفة كل واحد منهما، فلا يدرى أيهما الأشجع والأجود.
ومن الأمثلة التي ذكروها قولهم: عقل في التراب وحظ في السحاب، ومن العجيب أنهم ذكروا هذا المثال مع أنه نحوي لا يستقيم ذكرُه، فإن في التراب وفي السحاب، لا يصح فيهما أن يكون مسند؛ لأنها تدخل في المتعلقات؛ لأن كلمة