ممهدة، ولكل فريق حجته الناهضة، ورأيه السديد، فلم يكن رأيه صريحًا في الاتجاه إلى واحد منهم، فقد أثر عنه في كتابيه (إشارة إلى أسرار البلاغة)، و (دلائل الإعجاز) كلامٌ يؤكد أفضلية المعنى، وآخرُ يؤيد أفضلية اللفظ، وتارةً يكون الكلام مغشَّى بالغموض والإبهام بين تأييد اللفظ والمعنى، مما يصعب على الفاحص والدارس أن يستخلص حقيقة رأيه، أو يهتدي إلى صريح مذهبه.
هذا وإن كان يراه أستاذنا الدكتور عبد الفتاح لاشين، إلا أن أستاذنا الدكتور شفيق السيد يرى رأيًا آخرَ في هذه القضية مما يتعلق بعبد القاهر الجرجاني، وهو أن مَن فهِمَ من كلام عبد القاهر في بعض نصوصه أنه يؤيد اللفظ، لم ينظر جيدًا إلى مراد عبد القاهر باللفظ.
فالحاصل الذي ينتهَى إليه أن عبد القاهر الجرجاني موقفه محسوم قاطع واضح، لا رِيبةَ فيه، فالرجل نص على أن اللفظ بمعزل عن السياق لا قيمة له، وأن اللفظ غاية ما يقال فيه إذا ما كان منفردًا: هو أنه مألوف، أو مستوحش، غريب أو سائر، مستخدم، ولا قيمةَ له خارج النص. أما تعبيره باللفظ في بعض المواضع فيتضح في سياق الكلام أنه يريد به الصورة التي خرج بها الكلام، ويشير في معنى آخر وفي نصوص أخرى في كتابه إلى أن اللفظ هو المعنى المراد الذي يقال، فتعبيره باللفظ لا يراد به الكلمة المفردة؛ لأن الرجل نص نصًّا صريحًا بأن الكلمة في مفردها لا قيمةَ لها دون النظم الذي خرجتْ فيه.
هذه القضية التي شغلت الباحثين حول كلام الجرجاني في مسألة العلاقة بين اللفظ والمعنى، أسهب في بيانها أستاذنا شفيع السيد في كتابه (النظم وبناء الأسلوب في البلاغة العربية) فليرجَع إليه.