ورابع هذه الأسباب: أن يكون اللفظ موضوعًا لمعنًى في اللغة، ثم يوضع في الاصطلاح بمعنى آخر، ولذلك دائمًا عندما تبدأ أي علم يقال لك: لغةً واصطلاحًا، أي: استخدامه في أصل اللغة واستخدامه في الاصطلاح.
فإذن ظاهرة الوجوه والنظائر ناتجة عن تنوع المعاني حول اللفظ الواحد، وهذه الظاهرة من الظواهر التي ينبغي على المفسري أن يعلمها، وأن يعرفها تمامَ المعرفة قبل الخَوْض في كلام الله -سبحانه وتعالى- وتفسيره، وقبل أن يتصدى ببيان معاني القرآن، فعليه أن يهتم بهذا العلم الذي صُنفت فيه التصانيف، واهتم العلماء ببيانه، فمنذ العصور الأولى للتأليف في علوم القرآن وجاءنا كتاب بهذا العنوان (الوجوه والنظائر) للدماغاني وختامًا بالموسوعة العظيمة موسوعة الفيروزبادي (بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز) ذلك من الكتب التي اهتمت اهتمامًا بالغًا بمسألة الوجوه والنظائر.
وختامًا في هذه المسألة أعرض نماذجَ لكلمات استُخدمت في القرآن بأكثر من معنًى، مثلًا: كلمة "أُمة" استخدمت في القرآن على تسعة أوجه، أشهرها خمسة، أُمة بمعنى القوم، قال تعالى: {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} (النحل: 92) أي: أن يكون قوم أربَى أزيدَ من قوم. وبمعنى المِلة: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} (البقرة: 213) أي: ملة واحدة. وبمعنى المُدة: {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ} (هود: 8) إلى مُدة معدودة. وبمعنى الإيمان: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا} (النحل: 120) أي: إمامًا. وبمعنى الخلق من الجنسين يعني: من الجنس النوع، كقوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} (الأنعام: 38).