فهنا نأخذ نموذجًا لها قوله تعالى: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} (الإسراء: 38) قرئ: {سَيِّئُهُ} وقرئ: "سيئةً"، "كل ذلك كان سيئةً عند ربك مكروهًا" فـ {سَيِّئُهُ} واضح أنه بصيغة التذكير، و"سيئة" بصيغة التأنيث، والقراءتان يؤديان إلى معنًى واضحٍ في هذه الآية، أن قراءة التنوين "سيئةً" تفيد أن قوله تعالى: {كُلُّ ذَلِكَ} إحاطة بالمنهي عنه دون الحسن، يعني: كل ما نهى الله -سبحانه وتعالى- عنه مما ذكر في الآيات السابقة لهذه الآية الكريمة من سورة الإسراء، فهو سيئة، وهو مما لا يرضَى الله -سبحانه وتعالى- عنه. أما قراءة التذكير بالإضافة إلى الهاء: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ} يُشار بها بذلك إلى جميع ما تقدم، وفيه السيئ وفيه الحسن، هذا الذي ذكره المولى -سبحانه وتعالى- في الآيات.
وكذلك عندنا وجه من وجوه البلاغة وهو تغاير حروف المعاني، أن يأتي حرف من حروف المعاني التي أفردنا لها كلامًا من الحديث السابق. ونكتفي بذكر نموذج واحد لهذه الظاهرة في قول الله -سبحانه وتعالى-: {أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ} (الأعراف: 98) قرئ {أَوَأَمِنَ} وقرئ: "أَوْ أمن"، فـ"أَوَ" بفتح الواو والهمزة، و"أَوْ" بإسكان الواو، "أَوْ أمن" بسكون الواو فيها وفتح الهمزة. فهنا يختلف المعنى أو يختلف التوجيه بين حرفي المعنى المستخدمين، فالهمزة جزءٌ من العاطف، لا استفهام على قراءة "أَوْ" بهذا تفيد الآية إنكار الأمن مِن أحد هذين الوجهين، أي: من إتيان العذاب ليلًا أو ضحًى، يقول المولى -سبحانه وتعالى-: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ} (الأعراف: 97، 98) فقراءة "أَوْ" تدل على إنكار أَمْنهم من هذين الوجهين: البيات أو الضحى، أما قراءة: {أَوَأَمِنَ}