فهنا يجب أن نقف عند نقطة في غاية الأهمية، وهي مقاييس القراءة الصحيحة أو ما وضعه العلماء للحكم على هذا الوجه بالصحة، وبأنه قرآن يقرأ ويُتعبد بتلاوته. يذكر الرافعي في كتابه: أن القياس عندهم موافقة القراءة للعربية بوجه من الوجوه، سواء كان أفصحَ أم فصيحًا، مجمعًا عليه أم مختلفًا فيه اختلافًا لا يضر مثله؛ لأن القراءة سنة متبعة يلزم قبولها، والمصير إليها بالإسناد لا بالرأي، ثم يشترط في تلك القراءة أن توافق أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالًا، وأن تكون مع ذلك صحيحة الإسناد، فإن اجتمعت الأركان الثلاثة موافقة العربية ورسم المصحف وصحة السند، فتلك هي القراءة الصحيحة، ومتى اختل ركن منها أو أكثر أطلق عليها أنها ضعيفة أو شاذة أو باطلة، وَلْتجئ بعد ذلك عن كائن مَن كان.
هذا الكلام الذي ذكره الرافعي هو فَهْمُهُ -رحمه الله- لكلام ابن الجزري في (النشر) وما نص عليه من قوله:
وكل ما وافق وجه نحوي ... وكان للرسم احتمالًا يحوي
وصح إسنادًا هو القرآن ... فهذه الثلاثة الأركان
وهذا الكلام الذي نص عليه ابن الجزري للعلماء معه وقفة فيه، في أنه لم ينص في كلامه عن التواتر، والتواتر شرط أساسي لصحة القراءة، ولا يكتفَى بصحة السند، فإن العلماء المختصين بهذا الأمر بينوا أن هذا القول قاله مكي بن أبي طالب القيسي، وتبعه فيه ابن الجزري، وقالوا: إن هذا القول قول حادث، وأنهم ردوا هذا القول.