ولذلك عطفها بـ"ثم"، ولما لم يكن بين موت الإنسان، وإقباره أي: دخوله القبر تراخ ولا مهلة عطفه بالفاء.
فبين -رحمه الله- في هذين النموذجين كيف كانت الدقة في استخدام الحرف في موضوعه، ولا يجوز أن يوضع حرف آخر مكانه، وأتى بشاهد لطيف من قوله تعالى في قصة مريم -عليها السلام: {فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا} (مريم: 22 - 23) استشهد بأنّ المُفسرين اختلفوا في حمل مريم -عليها السلام- وهل حملتْ حَمْلًا كسائر النساء أخذ مدته المعهودة، أمْ أنّ حَمْلَها كان على غير عادة النساء؛ فحملت في زمن قريب ليس بالفترة التي يعهدها النساء في حملهن.
فقال: إنّ الآية الكريمة مزيلة للخلاف؛ لأنها دلت صريحًا على أن الحمل والوضع كانا متقاربين على الفور، من غير مهلة، فالمولى -سبحانه وتعالى- استخدم حرف العطف الفاء {فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} فالآية حسمت الخلاف إذا نظر في استخدام الحروف العاطفة فيها.
وهناك مثال رائع، وهو مع فعل المطاوعة؛ فإن هذا الفعل لا يعطف عليه إلا بالفاء دون الواو، تقول: كسرته فانكسر، وفتحته فانفتح ... إلى آخره، فأتى بقوله تعالى: {وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} (الكهف: 28) فقوله سبحانه وتعالى: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} الناظر فيه لو كان هذا السياق في غير القرآن لقال: إنه يؤتى في هذا الموضع بالفاء؛ فيقال: "فاتبع هواه" ولا يقال: "واتبع هواه" لأن الفعل هنا من أفعال المطاوعة، ولكن النظم القرآني البديع بين أن هذا الفعل في