بقي في معاني "هل" شيء، تأتي "هل" بمعنى قد، فتستخدم للتحقيق بدلًا من "قد"؟ هذه مسألة مشهورة بين المفسرين، واستدلوا لها بآيات عديدة حتى إنّ بعضهم قال: إن كل "هل أتاك" بمعنى قد أتاك {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} (النازعات: 15) {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِين} (الذاريات: 24) {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَة} (الغاشية: 1) أنّ هذه الآيات تحمل على معنى قد، ويُحمل كذلك أيضًا قوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ} (الإنسان: 1) أي: قد أتى على الإنسان حين من الدهر.
وبعضهم حمل قول يوسف -عليه السلام-: {هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ} (يوسف: 89) أي: قد علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه، إنه متحقق من أنهم يعلمون فعلتهم التي فعلوها.
وأخيرًا قد تأتي "هل" استفهامية لفظًا خبرية معنى، وهذا الذي يقال: أسلوب إنشائي لفظًا وخبري معنى، في قول الله -سبحانه وتعالى: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيم} (الصف: 10) فأتى المولى سبحانه وتعالى بالاستفهام؛ لكونه أوقع في النفس مع ما هو معلوم من أنّ الإيمان بالله، واليوم الآخر، والجهاد في سبيله، هو التجارة التي تنجي من العذاب الأليم؛ فأتى الخبر في صورة الإنشاء.
هذه بعض اللطائف التي أظهرها بعض العلماء في استخدام حرفي "الهمزة، وهل" كحرفين للاستفهام في أساليب القرآن الكريم، وفي كتاب الله -سبحانه وتعالى- وهذه هي موضوعنا الذي يهمنا، وهو أنّ حروف المعاني باستخدامها هذا وجه من وجوه