الدم، والثقيل إما لوجود حرف مضعّف مثل القمل أو لوجود حرف من مخارج ثقيلة مثل الضفادع- فتجد أن الكلمات لو رتبت على عكس هذا الترتيب أو قدم وأخر اسم مكان آخر لوجدت خللًا ظاهرًا في الترتيب، فهذا من بديع ما ينظر إليه في النسق الصوتي وفي تركيب الكلمات في القرآن الكريم؛ فإن أخفها في اللفظ الطوفان والجراد والدم وأثقلها القمل والضفادع، فقدم الطوفان لمكان المدّين فيه الطوفان طو/فا، وقدم كذلك حتى يأنس اللسان بخفتها، ثم الجراد وفيها كذلك مد، ثم جاء باللفظين الشديدين مبتدئًا بأخفهما في اللسان وأبعدهما في الصوت، لمكان تلك الغنة {الْقُمَّلَ}، ثم جيء بلفظة "الدم" آخرًا وهي أخف الخمسة وأقلها حروفًا؛ ليسرع اللسان فيها ويستقيم لها ذوق النظم ويتم بها هذا الإعجاز في التركيب.

هذا مثالٌ ذكره الرافعي، ولك أن تقيس عليه فيما ورد في القرآن من ترتيب كقوله تعالى: {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} (الواقعة: 18) تقديم الأكواب لاشتمالها على المد وصرفها والإتيان الوسط بأباريق ممنوعة من الصرف والختام بالكأس لخفته، كذلك: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} (الحج: 40) لو نظرت في هذه الآيات وتأملت تتابع الكلمات تجد سرّا لا يدركه إلا من يتذوق جمال اللغة في هذه الألفاظ.

أيضًا لو نظرت في كلامهم على الآية الكريمة: {فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ} (القصص: 38) تجد أيضًا مسألة النسق الصوتي تظهر ظهورًا بيّنًا غير ما أشار إليه علماؤنا الأجلاء من الشعور النفسي بفرعون وتصويره بهذه العبارة وبيان خفة عقله وسذاجته، وغير ذلك مما تخلصوا أو مما توصلوا إليه من مظاهر جمال في الآية- نستطيع أن نضيف وجهًا آخر في مسألة النسق الصوتي في الآية، وهو تأملك لقوله: لِي/يَا/هَامَا/ .. انظر: لِي/يَا/هَا/مَا/ هذا التركيب لا تجده في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015