من الاستعراض السابق يتضح لنا بجلاء أن إثبات الإعجاز العلمي للقرآن الكريم في عصر التقدم العلمي والتقني الذي نعيشه هو من مواقفِ التحدي للناس كافة مسلمين وغير مسلمين؛ لأن كتابا أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة على نبيٍّ أميٍّ -صلى الله عليه وسلم- وفي أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين وعلى الرغم من ذلك؛ فإن هذا الكتاب يحوي من حقائق الكون وسننه ما لم يتوصل إنسان إلى معرفته إلا بعد مجاهدات طويلة قام بها عشرات الآلاف من العلماء عبر تاريخ البشرية الطويل، وتركز في القرون القليلة المتأخرة بصفة خاصة، والمتحدي لابد وأن يكون واقفا على أرضية صلبة، وعلى ذلك فلا يجوز توظيف شيء في هذا المجال غير الحقائق القطعية الثابتة حتى يبلغ التحدي مداه في مجال إثبات الإعجاز العلمي للقرآن الكريم.
وهذا الالتزام واجب حتمي في التعرض للآيات الكونية في كتاب الله باستثناء آيات الخلق بأبعادها الثلاثة: خلق الكون، خلق الحياة، خلق الإنسان؛ وذلك بسبب أن عملية الخلق لا تخضع للإدراك المباشر من المخلوقين وفي ذلك يقول الحق سبحانه: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} (الكهف: 51).
ولكن القرآن الكريم الذي جاء بهذه الآية الكريمة يأمرنا ربنا سبحانه فيه بضرورة التأمل في قضية الخلق، وهي قضية غير مشاهدة من قِبَلِ الإنسان، وذلك في عددٍ غير قليل من الآيات القرآنية الكريمة التي منها قوله سبحانه: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ