هذه هي أهم قواعد التفسير العلمي الحديث فإذا ما طبقناها وعرفناها جاء التفسير غير مصادم للنص القرآني، وبهذا يتبين أنه لا عداوة بين العلم والدين، ولا تناقض أبدًا بين الدين والعلم؛ لأن القرآن لم يعارض العلم فليس هناك آية في القرآن تشيرُ إلى علومٍ كونية، وتتناقض مع العلم؛ فإن التناقض بين الدين والعلم غير متصور؛ لأنهما يعملان لتحقيق غرض واحد وهو تفسير الكون تفسيرًا صحيحًا، والعمل على تعميره بما يحقق سعادةَ من فيه، فإذا انفَصَلَ أحدهما عن الآخر لم يتحقق ذلك الهدف؛ إنهما جناحان لطائر واحد يريد أن يصل إلى أسعد حال، وأعظم مآل، وإن شئت قلت: هما كالإطارين لدراجة واحدة لا يمكن السير بها إلا بهما معا وفي حالة جيدة.
فالانقطاع للعبادة لا يعمر الكون، والعلم بدون الدين وأخلاقه يدمر هذا الكون، وعلى ذلك فلابد للإنسان، بل وللكون أيضًا من الدين والعلم معًا فما جدوى التدين إذا ترك الإنسان عمارة الكون، وأهمل تعلم ما به يقي نفسه من أمراض الجسد، وما به يستخدم كنوز الدنيا، وينتفع بها على أحسن وجه، وما جدوى العلم إذا لم يقترن بمبادئ تهذبه، وأخلاق تقومه ليرفع الإنسانية إلى أعلى عليين من مهبطها في أسفل سافلين.
إن أمامنا نماذج كثيرة ممن ظنوا أن الدين يعني الانقطاع للعبادة، ونماذج أخرى لمن ظنوا أن العلم يغني عن الدين، الأولون عاشوا الفقر والمرض والجهل والذل والآخرون عاشوا عيشة الخواء الروحي، والأمراض النفسية والتوترات العصبية، والاضطرابات السلوكية، فلم يغنِ عنهم علمهم هذا، بل كان هو السبب في معظم أمراضهم، وسوء أحوالهم. لقد هوى بهم هذا العلم الخالي من أخلاق الإسلام وتعاليم رب الكون لما فيه ومن فيه إلى مستنقعات الرذيلة، وشريعة