البعض الآن، ومن ينظر في التفاسير ابتداءً من تفسير ابن جرير الطبري ومرورًا بتفاسير الزمخشري والفخر الرازي ثم البيضاوي ثم محمد عبده يجد فيها نماذج لهذا اللون من التفسير، ومن بعد الإمام محمد عبده اتسع المجال بصورة ظاهرة للغاية، ولنضرب لذلك ثلاثة أمثلة من تفاسير ابن جرير الطبري، والزمخشري، والفخر الرازي.
يقول ابن جرير الطبري في تفسير قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِي الْكُنَّسِ} (التكوير: 15، 16) يقول: "اختلف أهل التأويل في الخنس الجوار الكنس، فقال بعضهم: هي النجوم الدراري الخمسة تخنس في مجراها فترجع وتُكنس، يعني: تُحبس في مجراها فتستتر في بيوتها كما تُكنس الظباء في المغارة. والنجوم الخمسة -كما يقولون- هي زحل، وعطارد، والزهري والمشتري وغير ذلك، وقال آخرون: هي بقر الوحش التي تُكنس في كُنَاسِها، وقال آخرون: هي الظباء، ثم عقب ابن جرير على هذه الأقوال بقوله: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يُقال: إن الله تعالى ذكره أقسم بأشياء تخنس أحيانًا، أي: تغيب وتجري أحيانًا وتُكنس أخرى، وكنوسها هو الإيواء في مكانها، والمكانس عند العرب هي المواضع التي تأوي إليها بقر الوحش والظباء، وغير منكر أن يُستعار ذلك في المواضع التي تكون بها النجوم من السماء، فإذا كان ذلك كذلك ولم يكن في الآية دلالة على أن المراد بذلك النجوم دون البقر، ولا البقر دون الظباء؛ فالصواب أن يعم بذلك كل ما كانت صفته الخنوس أحيانًا والجري أخرى".
ويقول الزمخشري في تفسير قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} (يس: 38): "أي لحد لها مؤقت مقدر تنتهي إليه من فلكها في آخر السنة شُبه بمستقر المسافر إذا قطع سيره، أو لمنتهى لها من المشارق والمغارب؛ لأنها تتقصاها مشرقًا