بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (الإسراء: 88)، وذكر ضرب الأمثال، واستشهد بقوله تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَل} (الروم: 58).
وذكر من العلوم التي عُني بها العرب وأكثرها باطلٌ أو جميعها علم العيافة والزجر والكهانة، وخط الرمل، والضرب بالحصى والطيرة، قال: فأبطلت الشريعة من ذلك الباطل، ونهت عنه كالكهانة، وخط الرمل، وأقرت الفأل لا من جهة تطلب الغيب؛ فإن الكهانة والزجر كذلك، وأكثر هذه الأمور تخرص على علم الغيب من غير دليل، فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بجهة مَن تعرف علم الغيب مما هو محض، وهو الوحي والإلهام. وبقي للناس من ذلك بعد موته -عليه السلام- جزء من النبوة، وهو الرؤيا الصالحة، وأنموذج من غيره لبعض الخاصة وهو الإلهام والفراسة".
ثم بعد هذا البيان الذي أوضح فيه الشاطبي: أن الشريعة في تصحيح ما صححت، وإبطال ما أبطلت قد عرضت من ذلك إلى ما تعرفه العرب من العلوم، ولم تخرج عما ألفوه، نراه يزيد هذا البيان إسهابًا وإيضاحًا، ويتوجه باللوم إلى من أضافوا للقرآن كل علوم الأولين والآخرين، مفندًا هذا الزعم الذي اعتقده أن قائليه قد تجاوزوا به الحد في دعواهُم على القرآن، وذلك حيث يقول في المسألة الرابعة من مسائل النوع الثاني من المقاصد -أعني مقاصد وضع الشريعة للإفهام- ما تقرر من أمية الشريعة وأنها جارية على مذاهب أهلها، وهم العرب: "ينبني عليه قواعد منها أن كثيرًا من الناس تجاوزوا في الدعوى على القرآن الحد، فأضافوا إليه كل علم يُذكر للمتقدمين والمتأخرين من علوم الطبيعيات والتعاليم كالهندسة وغيرها من الرياضيات والمنطق، وعلم الحروف وجميع ما نظر فيه الناظرون من هذه الفنون وأشباهها وهذا إذا عرضناه على ما تقدم لم يصح".