هذه السور لم تكن خاصة بزمان النبوة ولا بفتح مكة ونصر جيشها؛ لأن هذه الأمة كانت عند نزول هذه السور في أول عمرها، وسيطول إن شاء الله وكم سيكون لها من فتوح وانتصارات. ثم قال: "وإذا كان الأمر كما وصفنا، ونحن أبناء العرب ورثة النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي جاء منا، ولغتنا في مصر والشام والعراق وشمال إفريقيا هي لغة القرآن، فلنبين للناس بعدنا سر هذه السور، فقد كان العلماء قبلنا يكتمونها؛ خوفًا من أهل زمانهم، ولكنا الآن يجب علينا إبرازها وإظهارها؛ لتأخذ هذه الأمة بعدنا حظَّهَا من الحياة، ونصيبها من الإصلاح". ثم أخذ يبين لنا الكوثر، وأوصاف كيزانه، وأوصاف من سيرد عليه من المسلمين بما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
ثم قال بعد هذا كله: "اعلم أن هذه الأحاديث وردت لغاية أرقى مما يراها الذين لا يفكرون، كم من أمم جاءت قبلنا، وجاء فيهم مصلحون، فماذا فعلوا؟ ألقوا إليهم العلم بهيئةٍ جميلةٍ، وصورة مفرحة، وبهجة وجلال، ولا نزال نرى كل أمة حاضرة كفائتة، جميعهم يصيغون ما يريدون من الجمال والحكمة والعلم، ورقي الأمة بهيئة تسر الجمهور". ثم يقول: "الجاهل يسمع الدر والياقوت، وشرابًا أحلى من العسل؛ فيفرح ويعبد الله ليصل إلى هذه اللذات التي تقر بها عينه، والعالم ينظر فيقول: إن هذا القول وراءه حكمة ووراءه علم؛ لأني أرى في خلال القول عجائب فلماذا يذكر أن الكيزان أو الأباريق أو نحو ذلك عدد نجوم السماء، وأيُّ دخلٍ لنجوم السماء هنا، ولماذا عبر به؟ ". ثم يقول: "لماذا ذكر أن الذين يردون الحوض عليهم آثار الوضوء؟ ولم؟ الحق: أن نبينا محمدا -صلى الله عليه وسلم- يريد أمرين، أمرًا واضحًا جليًّا يفرح به جميع الناس، وأمرًا يختصُّ بالقواد والعظماء.