هكذا تعمل هذه الرائحة المميزة بمثابة كلمة السر، أو بطاقة الهوية لهذه الخلية، فإذا دخلت نحلة غريبة عن الخلية كان من السهل على العاملات المسئولات عن الحراسة أن يكتشفن وجودها، وعلى التوِّ يهاجمنها ويطردنها.

وللنحل قدرات واضحة على تذوُّق الرحيق والمواد السائلة الأخرى، ولديه القدرة على الإبصار ويميز بين البياض والسواد وبين بعض الألوان، وخصوصًا بين اللونين الأزرق والأصفر، ويستطيع أن يبصر ما لا يبصره الإنسان مثل بصر الأشعة فوق البنفسجية، وهكذا بالشم والتذوق والإبصار تستطيع شغالات النحل أن تُزاول أعمالها النشطة بين عالم الأزهار الذي تعشقه وتحبه، فتزوره مرات ومرات كل يوم في الأيام الدفيئة الوادعة.

لكن ماذا يجري للنحلة الشغالة عندما تخرج من بيتها للمرة الأولى في حياتها، حيث تخرج للبحث عن الرزق؛ إنها قبل أن تُغادر موقع البيت في الخلية تستدير إليه، وتقف، وتحلّق أمامه فترة، وكأنها تُشعر نفسها بأنها سوف لا تستطيع أن تعود إلى هذا البيت، فهي تقف وتستدير وتُحلق أمامه حتى ينطبع في ذاكرتها، ثم هي بعد ذلك تطير من حوله في دوائر تأخذ في الاتساع شيئًا فشيئًا، وإضافة إلى هذه الحيطة، فإنها لا تبتعد كثيرًا عن بيتها في هذه الرحلة الأولى، بل تعمد إلى الطيران القريب من المنطقة المتاخمة للخلية.

ولقد أثارت معرفة الطرق التي تسلكها شغالات النحل في رحلات الذهاب والإياب عقول الناس منذ سنوات بعيدة، وحاول العلماء أن يفسِّروا هذا الأمر، ويقترحوا له الاقتراحات، وكان من أشهر العلماء كارلثون فريتش الذي قضى كل عمره أو معظم عمره يجري تجارب وبحوثًا لفك ألغاز، وأسرار مسارات النحل، ومعرفة اللغات التي تتفهَّم أفراده مع بعضها بواسطتها، ومن أجل ذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015