خلق خلية حية واحدة، فضلا عن ذبابة واحدة؛ فما بالنا بمائة ألف نوع معروف من أنواع الذباب، ويمثل كل نوع منه بلايين البلايين من الأفراد، ويستمر القرآن الكريم في تحديه؛ لأن الإنسان الكافر أو المشرك وما يعبد من دون الله من وثن أو صنم أو بشر أو نظام لن يعجزوا فقط عن خلق الذباب، بل إنهم عاجزون عن استنقاذ ما يسلبه الذباب منهم من طعام أو شراب أو طيب أو دهون.
فالذباب عندما يحط على شيء من ذلك فإن كان سائلا سلب قطرة منه، وأوصلها فورا إلى جهازه الهضمي الذي يمتصها ويحولها إلى جهازه الدوري ومنه إلى مختلف خلاياه، وإن كان مادة صلبة صب عليها لعابه وإنزيمات معدته وعصائرها الهاضمة، فيفككها فورا ويذيبها أي يهضمها قبل أن يمتصها ويوصلها مهضومة إلى جهازها الهضمي، ومنه إلى جهازها الدوري، ثم إلى مختلف خلايا جسم الذبابة حيث يتحول جزء من هذا الطعام إلى طاقة، ويتحول جزء آخر إلى مكونات الخلايا والأنسجة وإلى عدد من المركبات العضوية التي يستخدمها الجسم، ويتحول الباقي إلى فضلات تتخلص منها الذبابة ولا سبيل أبدا إلى استرجاع أي من ذلك.
هذه الحقائق لم يصل إليها علم الإنسان إلا في القرن العشرين، وفي العقود المتأخرة منه وورودها في كتاب الله بهذه الإشارات الدقيقة المحكمة الموجزة لمما يشهد بأن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون صناعة بشرية، بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه على خاتم أنبيائه ورسله، وحفظه بعهده في لغة وحيه نفسها -اللغة العربية- على مدى أربعة عشر قرنًا أو يزيد، وتعهد بذلك الحفظ إلى قيام الساعة ليبقى هاديا للناس جميعا، وحجة على أهل العلم منهم خاصة، وذلك في قوله تعالى: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الأنفال: 42).