بعد ذلك نأتي إلى قول مفسر آخر من (ظلال القرآن) يقول سيد قطب: الاستواء هنا القصد، والقصد من جانب الله تعالى هو توجه الإرادة، وثم قد لا تكون للترتيب الزمني، ولكن للارتقاء المعنوي، والسماء في الحس أرفع وأرقى.
قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} إن هناك اعتقادًا قبل خلق النجوم، كان هناك ما يسمى السديم، وهذا السديم غاز وغاز دخان، والسدم ليس الذي بها من غاز وغبار إلا ما تبقى من خلق النجوم.
إن نظرية الخلق تقول: إن المجرة كانت من غاز وغبار، ومن هاذين تكونت بالتكثف النجوم، وبقيت لها بقية، ومن هذه البقية كان السدم ولا يزال من هذه البقية منتشرًا في هذه المجرة الواسعة مقدار من غاز وغبار يساوي ما تكونت منه النجوم.
ولا تزال النجوم تجر منه بالجاذبية إليه، فهي تكنس السماء منه كنسًا، ولكن الكناسين برغم أعمالهم الهائلة قليلون بالنسبة لما يراد كنسه من مساحات أكبر وأشد هونًا، وهذا الكلام قد يكون صحيحًا؛ لأنه أقرب ما يكون إلى مدلول الحقيقة القرآنية {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} وإلى أنَّ خلق السماوات تم في زمن طويل في يومين من أيام الله، ثم نقف أمام الحقيقة الهائلة، وهي قول الله تعالى: {فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}.
إنها إيماءة عجيبة إلى انقياد هذا الكون للناموس، وإلى اتصال حقيقة هذا الكون بخالقه اتصال الطاعة والاستسلام لكلمته ومشيئته، فليس هناك إذن إلا هذا الإنسان، الذي يخضع للناموس كرهًا في أغلب الأحيان، إنه خاضع حتمًا لهذا الناموس لا يملك أن يخرج عنه.